1- الثقافه ضروره انسانيه قابله للنماء
    ----------------------------------
    بعيد عن زخم التعريفات المتلاطمه حول مفعوم الثقافه ، فان الشئ المؤكد هو ان الثقافه لاتقوم الا بوجود جماعات انسانيه ، ومن ثم قان المجتمعات الانسانيه لاتحظى بهذه الصفه الا من خلال الثقافه ، فالثقافه مرتبطه بكل نواحى الحياه الانسانيه ، ويتسع محيطها مابين شاطئ الحياه اليوميه الى افق التأملات الذهنيه والفلسفيه مرورا بمجمل النشاطات والممارسات الانسانيه ، سياسيه واقتصاديه واجتماعيه وتقنيه وابداعيه ، وبهذا المعنى فان الثقافه هى جزء من نسيج الحياه
    والثقافه باعتبارها انتاجا انسانيا ، ليست معطى نهائي ، او ابدى او ثابت ، وانما هى صيروره حركيه الطابع وتتطور بتطور الحياه ذاتها ، فالثقافه مثل الحياه تماما قابله للتغير والتطور والنماء

    2- البعد الانمائى للثقافه
    ---------------------
    ان الاعتراف بالتنميه الثقافيه كبعد اساسى من ابعاد التنمي المتكامله قد كرس بشكل اساسى عند معظم الدول التى تخطط للتنميه ، اذ يدخل البعد الثقافى كجزء هيكلى متداخل مع قضايا النمو ، ويكفى ان نذكر هنا مجموعه من المؤشرات للتدليل على هذا التداخل وضرورته على طريق نمو متجانس
    1- ان العمليه الانمائيه هى فى حقيقتها عمليه خلق واعاده تنظيم العالم لتحرير الانسان تحريرا مضطردا فى حدود الزمان والمكان ، والمركب الذى تتجسد فيه هذه العمليه هو صوره الانسان المنتظم الاجزاء ، وهذا التنظيم هو منتظم حضارى ثقافى ، اى منتظم انسانى هو منتظم الحريه والابداع لامنتظم الضروره والاتباع ، لذا فاننا فى سياق التطور الطبيعى مع الانسان فى طبيعه جديده وخلق جديدد
    2- لقد دلتنا التجربه الانسانيه على ان الطبيعه ليست هى التى تقرر سلوك الانسان الاجتماعى بل تصوراته وانفعالاته الاجتماعيه ، لذلك فان تقدم الانسان هو
    تقدم من التصورات والمواقف الاجتماعيه ، والتقدم والتخلف بمعناهما الثقافى هو تقدم وتخلف فى تحقيق التصورات وانماء الموارد الانسانيه ، والثقافه التى تقرر هذه القابليه هى ثقافه انمائيه والثقافه التى تعوقها هى ثقافه غير انمائيه
    3- التنعميه الثقافيه هى التى تعمل بدورها كحركه تصحيحيه ضروريه لاعاده البعد النوعى للحياه ، وهكذا تكون الثقافه محكا للحكم على نوعيه الحياه والمعيار الذى يقاس به تقدم الحياه او تخلفها وتواترها ومسيرتها

    3- مفهوم التنميه من الاقتصاد الى الثقافه
    -----------------------------------
    لقد ادى انطلاق اوربا لنمو اقتصادى دون يستند الى القيم الانسانيه الى ان يستدعى انتباه الرأى العام ، وانتقادات علماء الاجتماع والسياسه ، الامر الذى دعى بعضهم الى وضع الاولويه لمشاكل الحضاره ونوعيه الحياه عند مناقشه قضايا النمو الأقتصادى والدعوه الى كبح النمو الذى يرتكز على نماذج اقتصاديه صرفه ، وهكذا ظهر مفهوم التنميه الثقافيه كرد فعل للنمو ذى البعد الاقتصادى والمطالبه بنوعيه للنمو تمتد لتحسين شروط الحياه والاوضاع الانسانيه وهو الامر الذى استلزم
    وضع البعد الثقافى عندالتخطيط للتنميه ذلك لان المفهوم البرجماتى- الاقتصادى الصرق للتنميه فاسد من حيث اساسه الفلسفى وهو يؤدى الى تشويه الشخصيه الانسانيه ، ويعنى ذلك ات التنميه هى مفهوم اجتماعى انسانى تعنى فى نهايه المطاف ترقيه الشخصيه الانسانيه وفتح ابواب اوسع للأنطلاق الحر للأبداع الانسانى ومن هنا ظهر مفهوم التنميه الشامله فلم يعد ممكنا النظر الى البشر ككائنات يمكن استخدامها فى تحقيق المصالح الاقتصاديه وبالتالى الاكتفاء بتلبيه احتياجاتهم الماديه فقط ، وانما يجب ان يعنى بهم على اساس انهم كائنات حيه لها تطلعات وجدانيه وثقافيه وابداعيه ، وان اى تنميه بعيده عن هذا المفهوم هى تنميه بلا روح وان المقاييس الماديه للتقدم لم تعد وحدها مؤشرا للتقدم الانسانى

    لقد تجاوزت التنميه البشريه كمفهوم دور الثقافه كمحرك للتنميه الاقتصاديه الى اعتبار ان الثقافه ليست مجرد اداه ، بل هى قيمه فى حد ذاتها ، فهى مطلوبه لذاتها حيث ان الثقافه تساوى الهدف والغايه من التنميه اذ ان قصدها هو رفع مستوى الوجود البشرى ككل ، وبكل صوره ، ولكن الامر يتوقف هنا على مضمون الثقافه ذاتها ، فقد لاحظ علماء الاجتماع والثقافه ان بعض الثقافات - كلها او اجزاء منها - تكون معرقله للتقدم ، وان الامر يستلزم تغيير تلك الثقافه او تنميتها ، وهنا من المهم النظر الى الكيفيه التى قامت عليها هذه الثقافه ، والكيفيه التى يتم بها التغيير ليجعلها قابله للنمو المتواصل والمستمر وكيف نجعل الناس ينجذبون الى تلك الثقافه الجديده وينتمون اليها وهكذا ظهر مفهوم التنميه الثقافيه بحيث تكون الثقافه حاله تنمويه ويصبح النمو حاله ثقافيه

    4- معضلات التنميه الثقافيه
    ----------------------------
    لتحقيق اكبر قدر من الفاعليه للتنميه الثقافيه ، يج اشراك الناس فى عمليه التغيير الثقافى ، وهذا لايعنى تكليفهم ، فالثقافه ليست قرارا على الناس ان يقوموا بتنفيذه
    والموقف الصحيح هو ان نجعل الناس يؤمنون باهميه تلك الثقافه لهم ، فالناس لايجتمعون حول شئ لايؤمنون به ،
    مايهمنا هنا هو ان نذكر ان التغيير يعنى الانتقال من حاله الى اخرى وان التقدم هو مايعطى لهذا التغيير قيمته ومعناه ، وتثير قضيه التقدم هنا اشكاليه المقياس ، فطبقا لأى مقياس تقاس درجه التقدم ، هل هو معيار نسبى ؟ بمعنى ان التقدم فى اى مجتمع معين تقاس طبقا لتطوره التاريخى والذاتى ، ام تقاس طبقا لمعيار شمولى عالمى يعكس حاله تقدم الجنس البشرى فى لحظه تاريخيه معينه ، ام انه طبقا لمقياس مطلق للتقدم تسعى اليه البشريه كلها وتقاس درجه تقدم اى شعب وثقافته على سلم الارتقاء لهذا المثال ؟ وان كان الامر كذلك فما هو هذا المثال ؟
    لاننوى ان نخوض هنا فى عرض لافكار المفكرين والفلاسفه الذين حاولوا الاجابه على هذه الاشكاليه ولكننا نستطيع ان نغامر بالقول ان هذا المثال - فى راينا - يتلخص فى جمله واحده وهى " ان يمتلك الانسان مصيره على هذه الارض " وب
    ما ان هذا الهدف لايزال بعيدا حتى بالنسبه الى الدول والشعوب التى تعتبر نفسها متقدمه ، فاننا فى هذه المرحله علينا ان نؤمن بفكره التقدم ذاتها وان ندرك ان التقدم هو فعلا تواصليا متشابكا ، وهذا يعنى ازاحه كل العقبات والمعوقات التى تقوم فى وجه شيوع فكره التقدم ذاتها

    المشكله الملحه التى علينا مواجهتها الان هى كيف ننمى ثقافتنا لكى تكون مؤهله ان تكون فى مركز متساو مع الاجزاء الاخرى من العالم ؟
    هذا السؤال الذى علينا ان نجيب عليه قبل ان نشرع فى التخطيط لأى مشروع ثقافى مستقبلى ، ومن الطبيعى عندما نكون بصدد التخطيط لتنميه الثقافه ان ندرس ونحلل الواقع الثقافى الذى نريد تنميته ومجمل الظرو ف التىانتجت هذا الواقع
    وبقليل من التحفظ يمكن القول ان هذا الواقع يتمحور حول وضع التخلف الذى نشارك فيه مناطق كثيره من العالم ، وبدرجه ما من التعميم يمكن ان نلخص حيثيات تخلف ثقافه ما فيما يلى
    1- اذا لم تستطع ثقافه ما ان تجيب على الاسئله التى تطرحها متغيرات العصر ، والاسوأ من ذلك ان تكون هى قد توقفت عن طرح الاسئله
    2- اذا اصبح الوضع الثقافى - الثقافه كلها او بعض عناصرها معرقله للتقدم فى مستوياته المختلفه الاقتصاديه والاجتماعيه والعلميه
    3- عندما تصبح ثقافه اخرى قادره على غزوها
    4- عندما تكون الثقافه عاجزه عن الابداع ، اى عندما يصبح الابداع معطلا ، ويكرر مقولاته ويستنسخ قوالبه ، واذا عجزت ادواته عن التعبير عن تجسيد تطلعات وخيال المبدعين
    5- اذا فقدت هذه الثقافه علاقتها بالواقع وبالحياه
    هذا بشكل عام فماذا لدينا من هذه الحيثيات ؟

    يمكننا ان نوجز واقعنا الثقافى فيما يلى
    1- ارتفاع نسبه الاميه الابحديه والثقافيه
    2-سيطره تابوهات الماضى ، وتجريم مراجعته
    3- شيوع الروح المعاديه للعقلانيه والديموقراطيه وحقوق الانسان
    4- الذهنيه السكونيه وغياب الصراعيه
    5 - الانسحاب والتقوقع والعزله عندما يتطلب الامر مواجهه الثقافات الاخرى ، وتبرير الانسحاب بالحفاظ على الهويه والخصوصيه الثقافيه
    6- اتساع الفحوه بين ثقافه النخبه وثقافه الحماهير
    7-ضعف الانجاز العلمى والتكنولوجى وهشاشه الثقافه العلميه وغياب بيئتها
    8- سيطره التعليم البنكى " التلقينى "
    لسنا هنا بالطبع بصدد تنتبع اسباب هذا التخلف ، فقد تناولته دراسات متنوعه ولكننا اكتغينا برصد بعض مظاهر التخلف باعتبارها معوقات الانطلاق نحو تنميه ثقافيه
    واخيرا يمكن القول ان نجاح اى مشروع لتنميه ثقافيه حقبقيه يتطلب حل حزمه من الاشكاليات والتى تتطلب الفحص العلمى والموضوعى للفضاء الذى نتحرك فيه والكشف عن مكوناته كى نتمكن من تجاوزه وابداع ثقافه قابله للنمو والتى يجب ان
    تتمحور حول الانسان باعتباره قبمه فى ذاته ، ويجب ان يحترم بصفته تلك ، وينبغى ان يتمتع بكل حقوقه وعلى راسها الحق فى الثقافه التى تجعله موضوعا للتنميه والتقدم فىاتجاه تحقيق انسانيته وهى الوجه والحافز المتوج للتقدم المجتمعى الشامل

    د . سيد سعيد
    كاتب ومخرج سينمائى

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.