سارعت واشنطن لتخفيف حدة تصريحات أمين مجلس الأمن الأوكراني ألكسندر تورتشينوف حول أنه لا يستبعد أن تدرس كييف إجراء مشاورات حول نشر عناصر من الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها.

فأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف أن الولايات المتحدة والناتو لا يخططان لنشر منظومة الدرع الصاروخية في أوكرانيا، موضحة أن نشر عناصر منظومة الدرع الصاروخية للناتو يتم فقط في الدول الأعضاء في الحلف. وجددت موقف بلادها بأن منظومة الدرع الصاروخية للناتو غير موجهة ضد روسيا، وإنما الحديث يدور عن "التهديدات المنطلقة من الشرق الاوسط".

هذا التصريح لم يكن تخفيفا لتصريحات تورتشينوف فقط، بل تطمين شكلي جديد لموسكو، التي أعلنت على لسان الناطق الصحفي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن روسيا ستتخذ إجراءات جوابية لحماية أمنها في حال نشرت أوكرانيا عناصر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها. وحذر بيسكوف من أنه "إذا كان المقصود هو أن أوكرانيا تخطط لنشر عناصر منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها فلا يمكن أن يكون موقفنا من هذا الأمر إلا سلبيا، كونه يمثل تهديدا لروسيا الاتحادية، وفي حال نشر المنظومة ستتخذ روسيا بالضرورة إجراءات جوابية لتأمين أمنها الخاص".

على الرغم من تعجل واشنطن، سواء في نفي ما قاله سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني تورتشينوف، أو التطمين الشكلي لروسيا، إلا أن الجنرال بن هودجس قائد القوات الأمريكية في أوروبا تعهد من العاصمة الأوكرانية كييف بنقل الخبرات العسكرية الأمريكية لعناصر الحرس الوطني الأوكراني. وقال خلال لقائه الجنرال نيقولاي بالان قائد الحرس الوطني الأوكراني: "سنساعدكم في الدفاع عن حقكم في حماية دولتكم. وسنعمل كل ما بوسعنا من أجل نقل الخبرات العملية للعسكريين الأمريكيين إلى عناصر الحرس الوطني الأوكراني". وهو بالفعل ما يجري حاليا، حيث يشرف مدربون أمريكيون على عمليات التدريب في ميدان يافوروف العسكري بغرب أوكرانيا.

النقطة الثانية الأخرى المثيرة للتساؤلات تدور حول تصريح ماري هارف بشأن الأخطار "الأتية من الشرق الأوسط". وقبلها بيوم واحد فقط، أعلن نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال جيمس وينفيلد أن خطط نشر نظام الدرع الصاروخي الأمريكية في أوروبا لا تسهدف روسيا، بل لمواجهة التهديد الإيراني أو تهديدات أخرى في المنطقة.

من الواضح أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يحاولان تبرير التوسع نحو الشرق، ونحو حدود روسيا المباشرة، وتبرير إشعال العديد من المناطق في الشرق الأوسط وأوروبا. وكذلك تبرير ما يمكن اتخاذه من خطوات في وقت لاحق، سواء تجاه روسيا أو في الشرق الأوسط.
الملفت للانتباه هنا، أنه في ظل كل تلك الاحتكاكات بين حلف الناتو وروسيا، أعلن وزير الطاقة الأوكراني فلاديمير ديمتشيشين أن الحكومة الأوكرانية اعتمدت قرارا حول وقف العمل بالاتفاقية بين روسيا وأوكرانيا في مجال التعاون العسكري – التقني، والتي كان قد وقعها الطرفان عام 1993. وكان الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو قد اتخذ قرارا بحظر أي تعاون عسكري ــ تقني مع روسيا في منتصف شهر يونيو 2014، في اجتماع الأمن القومي والدفاع. ولكن الحظر، وقتها، لم يشمل المنتجات ذات الاستخدام المزدوج مثل محركات المروحيات التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية ومدنية.

كل ذلك يأتي على خلفية إجرائين في غاية الأهمية والخطورة من جانب روسيا. فقد أصدر رئيس الحكومة الروسية دميتوي ميدفيديف قراراً بوقف عبور السلاح والعتاد العسكري للأراضي الروسية إلى قوات الناتو في أفغانستان. وكان تبرير الحكومة الروسية القانوني هو انتهاء مفعول قرار مجلس الأمن الدولي 1386 الصادر في ديسمبر 2001، والذي سمح بتشكيل ما يسمى بـ"قوة المعاونة الأمنية الدولية" (وهي القوة التي يقودها الناتو). هذا القرار ناشد آنذاك دول العالم توفير الدعم لهذه القوة بنقل الإمدادات اللازمة لها عبر أراضي وأجواء الدول المجاورة لأفغانستان. وعلى الفور أعلنت وزارة الخارجية الروسية وقتها استعداد روسيا للمساهمة في جهود المجتمع الدولي لحفظ الأمن وتحقيق الاستقرار في أفغانستان، إلا أن موسكو لم تسمح للناتو بنقل السلاح والعتاد إلى قواته في أفغانستان عبر أراضيها إلا في أبريل 2008. ولكن بعد قرار ميدفيديف لن تواصل طائرات النقل الأمريكية رحلاتها في سماء روسيا، لأن القرار يُلزم وزارة الخارجية الروسية بـ"إخطار حكومات الدول الأجنبية والمنظمات الدولية بإلغاء عبور الأسلحة والعتاد العسكري والسلع العسكرية لأراضي روسيا (على الخطوط الحديدية والطرق البرية وبطريق الجو) إلى قوة المعاونة الأمنية الدولية في أفغانستان ومنها".

أما الإجراء الثاني هو إعلان موسكو عزمها على تعزيز تشكيلاتها في جمهورية القرم بسبب نشاط الحلف قرب حدودها، محذرة الناتو للتخلي عن محاولاته ضم جورجيا وأوكرانيا إلى صفوفه. وحذرت في الوقت نفسه من إمكانية نقل خطوط الفصل إلى داخل هاتين الدولتين. ما يعني أن الولايات المتحدة والناتو يدفعان إلى تقسيم أوروبا ووضع خطوط فاصلة جديدة باستخدام الأنظمة السياسية القومية المتطرفة والقوى الراديكالية والنازيين الجدد في بعض الدول الأوروبية. إضافة إلى التحذير من عملية توسع الناتو في أي اتجاه، وخاصة في اتجاه روسيا، وهو ما يعد تحركا قويا للغاية وله عواقب سياسية سلبية وحربية جسيمة، على رأسها سباق التسلح وزعزعة استقرار الأوضاع بشكل جدي في القارة الأوروبية.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.