تتطلع الطفلة او الطفل بانبهار الى أضواء النجوم وتسأل: مين خلق النجوم؟ ويرد الكبار: ربنا، وعلى الفور تسأل الطفلة أو الطفل: ومين خلق ربنا؟ سؤال بديهى يرد لجميع الأطفال، ثم يطويه النسيان ضمن أسئلة يتم تحريمها خوفا من السلطة فى البيت والمدرسة، يؤدى الخوف الى النسيان، حماية للطفل او الطفلة من القلق وانتظار الحرق بالنار او الاصابة بالصرع.

فى إحدى الندوات قال لى شاب، سألت فى طفولتي: مين خلق ربنا؟ فضربنى المدرس وحذرنى من هذه الأسئلة وإلا أصابنى الجنون والصرع، وأصبحت (إن راودنى أى سؤال محرم) أرتعد لأن الله سوف يعاقبنى بالصرع.

يرتكز الابداع العلمى والفنى على شجاعة التساؤل، وتذكر المكبوت الممنوع منذ الطفولة، يؤدى النسيان الى ضعف الذاكرة، وعدم الوعى بتاريخ الذات الفردية، وتاريخ البشرية الجمعي، وبالتالى الجهل بأسباب جميع المشكلات الخاصة والعامة، ومنها التعصب الدينى والعنف السياسى والعائلي.

سألنى طفل فى السابعة:

ليه يمنعنى المدرس من اللعب مع البنات ويقول عيب وحرام؟ وقالت طفلة فى الثامنة، غضب جدى حين سألته، ليه تقول مارلين كافرة وربنا حيحرقها فى النار؟ وقالت طفلة فى الثالثة عشرة، قرر أبى أن ألبس الحجاب وعمرى حداشر سنة ومنعنى من قراءة الكتب، او التفكير فى أى حاجة حرام.أسس التربية والتعليم توقف التطور العقلى لأطفالنا، توقف نمو الذكاء الفطرى والضمير، تفسد أخلاق الطفل والطفلة، وتنتج التعصب الدينى الأعمى والانجذاب الى أفكار داعش والإخوان وبوكو حرام.

لا يدمر العقل منذ الطفولة إلا الخوف من التساؤل، يكف العقل عن طرح الأسئلة ونتحول الى ببغاوات نردد ما يقوله الآخرون، الابداع هو تذكر الاسئلة المحرمة، التى يغيبها نظام التعليم والتربية لماذا لم تسهم عقولنا فى الاختراعات العلمية الحديثة؟

يرتبط اكتشاف الكمبيوتر بالسؤال الطفولي، مين خلق ربنا؟ هذا السؤال البديهى أدى الى اكتشاف علم الكون وعلوم الفضاء والالكترونيات، تمكن العقل المتطور من كسر الثوابت الدينية، خلال النهضة الأوروبية، ومنها نظرية الخلق الواردة بالكتاب المقدس، ونظرية تأثيم المعرفة، وثبات الأرض المسطحة.

أراق رجال الدين دماء علماء اكتشفوا أن الأرض كروية وأنها تدور، لولا هذه الدماء ما عرفنا الطائرة والانترنت والايميل والأقمار الصناعية.

منذ الطفولة نكف عن أهم الأسئلة التى تدور فى عقولنا:

من أين جئنا والى أين نذهب؟ لماذا تتحجب البنت ولا يتحجب الولد؟ لماذا يذهب الأقباط الى النار ونذهب نحن المسلمين الى الجنة؟ هل يصح الايمان بالوراثة؟

يبدأ التطرف والجمود العقلى من الطفولة، حين يكف عقل الطفلة او الطفل عن طرح الأسئلة البديهية تحت اسم المحرم، هذه هى قضية تجديد الفكر الديني، وليس المتاهات الفقهية والمذهبية التى يغرق فيها الكبار قبل الأطفال، ويتصارعون حول البخارى والغزالى وابن تيمية وسيد قطب وحسن البنا وغيرهم؟

علينا الانعتاق من الخيوط العنكوبية التى تدور فى فلك الثوابت والمذاهب الفقهية؟ تجديد الفكر الدينى يخص جوهر العقل وليس الجزئيات والشكليات، تجديد الفكر الدينى لا يخص الأزهر او الأوقاف او رجال الدين وحدهم، بل يخص كل فرد فى المجتمع والدولة والعائلة والمدرسة والجامعة وكل مكان.

حين كنت تلميذة طلب منا المدرس كتابة قصة من الخيال فملأت الكراسة بمذكراتى الطفولية، بعد أن قرأها المدرس أعطانى "صفرا" واتهمنى بالكفر، لماذا؟ لأن الطفلة طرحت أسئلة محرمة منها: لماذا نأكل فى رمضان أكثر من أشهر آخر؟ لماذا يفرض الله الصيام على الفقراء وقد فرضه علينا لنحس ألم جوعهم؟ لماذا لا يضرب المدرس ابنة الوزير كما يضرب الآخرين؟ لماذا أحمل اسم جدى واشطب اسم أمى مع أنى أحب أمى ولا أحب جدى؟ لماذا يخرج أخى للنزهة وأنا محبوسة بالبيت رغم أنى ناجحة وهو ساقط؟ لماذا اشتغل مع أمى فى المطبخ، وأخى وأبى يلعبان الشطرنج فى البلكونة؟ لماذا أرتدى الحجاب وأخى لا يتحجب مع أنه يجرى وراء البنات وأنا لا أكلم الصبيان؟

هذه أسئلة بديهية يطرحها الأطفال دون أن يناقشهم أحد، خوفا من نقد الثوابت، رغم أن العلم لم يتقدم إلا بنقد المقدسات، ألم تكن الأرض ثابتة مسطحة، ثم كشف العلم أن الأرض كروية وتدور حول الشمس؟ ألم تكن نظرية خلق الكون فى ستة أيام من الثوابت المقدسة، ثم كشف العلم أن الكون تطور عبر ملايين السنين؟

لماذا تكبل عقول الأطفال بالخوف من النقد؟ وقد رأينا كيف تسقط الثوابت العلمية والدينية تباعا مع تقدم الاكتشافات العلمية وتجديد الفكر الديني؟ فالعلوم والأديان تتطور على الدوام، ألم تسقط مفاهيم الرق والعبودية من كثير من الأديان (ومنها الاسلام) بسبب انتصار العدل والعقل، وعدم الخوف من الكفر او السجن او القتل؟ كيف ننتج أفكارا مبتكرة ولا نعيش على استهلاك ما ينتجه الآخرون؟ هذا هو السؤال الأهم لتجديد الفكر الديني:

كيف نشجع أطفالنا على طرح الأسئلة المحرمة؟

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.