من المؤكد أن أردوغان كمؤسس لحزب العدالة والتنمية الاسلامي قد تلقى ضربتين موجعتين في الانتخابات البرلمانية الاخيرة . الاولى تمثلت بعدم قدرة حزبه في الحصول على أغلبية الثلثين (367 مقعداً) لتعديل الدستور وتحويل نظام الحكم الى نظام رئاسي يُعطي رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جداً مع عدم تمكن الحزب حتى من الحصول على 330 مقعداً التي تمكنه من اللجوء الى إجراء استفتاء لتعديل الدستور لهذا الغرض .


أما الضربة الثانية وهي الاكثر إيلاماً فقد تمثلت بسقوط حكومة حزب العدالة والتنمية مع خسارة الحزب للاغلبية البرلمانية التي تخوله تشكيل الحكومة بمفرده , وذلك لاول مرة منذ استلامه السلطة في أنتخابات عام 2002 . وكان للنجاح المفاجئ لحزب الشعوب الديمقراطي في الحصول على %13 من الاصوات وهذا أكثر من %10 من الاصوات الطلوبة لدخول البرلمان حسب النظام المعمول في البرلمان التركي , الاثر الحاسم في خسارة حزب العدالة والتنمية لهذه الاغلبية البرلمانية بسبب توزيع مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعدا على أربعة أحزاب ( العدالة والشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي وفق النسبة المؤية) بدلاً من توزعها على ثلاثة أحزاب رئيسية , وهذا ما أفقد حزب العدالة والتنمية فرصة الحصول على المقاعد الاضافية اللازمة للاغلبية البرلمانية والتي كان من الممكن الحصول عليها لو لم يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من تجاوز نسبة %10 التي تُؤهله لدخول البرلمان .


ويُعتبر تراجع الاقتصاد التركي وفضائح الفساد في الحكومة والنزعة المحمومة لاردوغان للتفرد بالسلطة وتعديل الدستور لزيادة صلاحياته الدستورية من أهم الاسباب التي قادت الى الخسارة التي مني بها حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات . فبالرغم من نجاح الحزب منذ عام 2002 في انجاز العديد من المشاريع الاقتصادية الكبرى وجذب رؤوس الاموال الاجنبية للاستثمار الداخلي وتحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي وتخفيض معدلات التضخم والبطالة , إلا أن تباطؤ الاقتصاد التركي منذ العام 2012 وفقدان هذا الاقتصاد القدرة على التطور والنمو في السنوات الاخيرة , قادت بالنتيجة الى إزدياد معدلات البطالة والتضخم وتراكم الديون السياديةً , إضافة الى التدهور في قيمة الليرة التركية في أسواق العملات الى مستويات غير مسبوقة .


وقد قاد هذا التراجع الاقتصادي مع انتشار الفساد وسوء الادارة على المستوى الحكومي في التعامل مع الشركات والاستثمارات الخارجية الى خروج العديد من الشركات العالمية والبنوك من الاسواق التركية وتراجع واضح في حجم الاستثمارات الاجنبية . هذا بالاضافة الى زيادة الديون الخارجية قصيرة الاجل التي قد تُؤدي في حال عدم تسديدها وفق المُهل المحددة الى المزيد من التفاقم في الاقتصاد التركي .


 هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد لعبت ألازمات السياسية مع دول الجوار التركي والتي سببتها الاحلام التوسعية وجنون العظمة لأردوغان وتورطه الاجرامي منذ عام 2011 في تدمير سوريا ونهب منشآتها الصناعية والنفطية ومحاولاته المحمومة والمتواصلة لاسقاط النظام السوري من أجل تحقيق طموحاته في السيطرة على بلاد الشام ومصر والعراق تحت راية الاخوان والجماعات الاسلامية الاخرى , دوراً رئيسياً في زيادة ألازمات السياسية والاقتصادية والامنية في تركيا .


 فقد لعبت الحكومة التركية بقيادة أردوغان دوراً محورياً وسافراً في دعم الجماعات الاسلامية والتكفيرية المُتطرفة وتأمين الاسلحة والذخيرة والمؤن ومعسكرات التدريب لهذه الجماعات وجعل الحدود التركية ممراً آمناً لهذه الجماعات الاجرامية في دخولها الى الاراضي السورية وتزويدها بكافة أشكال الدعم اللوجستي والميداني والاستخباراتي . وقد تسبب وجود عشرات الالوف من الجماعات الاسلامية المسلحة على الاراضي السورية وفي المناطق الحدودية من الاراضي التركية المحاذية لسوريا الى تزايد القلق الامني للمواطنين الاتراك من وجود هذه الجماعات المتطرفة على الاراضي التركية وسيطرتها على المعابر الحدودية مع تركيا .


كما أن العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض على سوريا قد تسبب في توقف تجارة الترانزيت بين سوريا وتركيا والى توقف عشرات الالوف من الشاحنات التركية عبر الاراضي السورية مما تسبب في إحداث خسائر هائلة في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي وانعكاس آثاره السلبية على الاقتصاد التركي . كما تسبب وجود ما يقرب المليونين من اللاجئين السوريين في تركيا الى الاضرار بسوق العمالة لليد العاملة التركية والى زيادة معدلات البطالة بين الاتراك .....


وهنالك بلا شك عوامل أخرى كثيرة ساهمت في إضعاف ثقة ما يقرب من 60% من الناخبين الاتراك في القيادة التركية والحزب الحاكم ولاسيما من قبل الاقليات الكردية كنتيجة للموقف السلبي والمعادي للقيادة التركية من تطلعات الاكراد في تركيا والعداء الشديد لاكراد سوريا والذي ظهر جلياً من خلال إعتداء الجماعات التكفيرية المسلحة المدعومة من تركيا على مختلف البلدات والقرى الكردية في الشمال السوري وتواطؤ القيادة التركية في الهجوم المُدمر والشرس لمسلحي ما يُسمى بالدولة الاسلامية على بلدة عين العرب الكردية (كوباني) خلال العام الماضي . هذا إضافة الى موقف القيادة التركية المُتنكر للمذابح التي تعرض لها الارمن والكلدان والآشوريين وغيرهم من قبل الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى .


ولكن ماذا بعد سقوط حكومة حزب العدالة والتنمية في ظل خسارة هذا الحزب للاغلبية البرلمانية التي تخوله تشكيل الحكومة بمفرده .... ؟؟ . لا شك أن احتمالات النجاح في تشكيل حكومة إئتلافية بين حزب العدالة والتنمية وأحد الاحزاب المعارضة في البرلمان الجديد لا تبدو مُشجعة دون تقديم تنازلات كبيرة من قبل حزب العدالة , وهو أمر قد لا يُروق لأردوغان . وعلى ما يبدو فإن احتمالات الفشل في تشكيل حكومة إئتلافية وفق المهلة المحددة واللجوء بالتالي الى انتخابات برلمانية مُبكرة ليست بالامر المستبعد ... ولكن مهما كانت هذه الاحتمالات فمن المؤكد أن طموحات أردوغان في أحكام قبضته السياسية على تركيا وأحلامه العثمانية والتآمرية في السيطرة على سوريا والمشرق العربي قد ذهبت أدراج الرياح وسيواجه إن عاجلاً أم آجلاً نهاية حتمية لمستقبله السياسي

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.