هل العلمانية ضد الاسلام أو تحاربه ؟ بعض المسلمين وخصوصا المنتمين لمذهب الاسلام السياسي ( الخلافة ) يرون ان العلمانية وضعت على ايدي اعداء الاسلام وهدفها القضاء على الاسلام والمؤمنين به، تلك الصورة الذهنية اصبحت اول ما يأتي الى فكر البعض اذا ذكرت امامه العلمانية حتى اصبحت مرادفا لها عند كثيرين. تلك الصورة حين يتم استحضارها امام شخص علماني يبتسم ابتسامة هي مزيج من السخرية والاستهزاء ثم يقول لمحدثه بهدوء ” يبدو انك لا تعلم العلمانية جيدا “، وللأمانة فانا كنت مثل هذا الشخص العلماني اتقمص دور العالم والمنظر حين اصادف مثل هذه التخوفات والافكار من شخص مسلم وسطي او يميني. الا انني حاولت أن اعرف السبب من هذه الفكرة التي بالفعل تتعارض مع العلمانية التي اعرفها – أثق تماما ان احدهم سيخبرني بعد قراءة المقال ” يبدو انك لا تعلم العلمانية جيدا ” ولا بأس في هذا – وشعرت انه لا يمكن ان يكون المتحدث دائما على درجة من الجهل بالعلمانية لهذه الدرجة، لهذا تحدثت كثيرا مع هؤلاء محاولا فهم تخوفاتهم وسبب تكوين تلك الصورة لديهم وشعرت ان هؤلاء لم تأتي فكرتهم هذه من فراغ. لذا سأحاول سرد ما وجدته وفهمته في النقاط الاتية:


1 – اذا كنت سيدي ترى ان الاسلام هو دين ودولة وان الشريعة الاسلامية لابد ان تطبق وتكون هي المرجع التشريعي الوحيد للدولة فأنت على حق في ظنك في العلمانية بأنها ضد الاسلام، فالعلمانية تعني عكس ما تقول تماما وتنادي بفصل الدين عن الدولة والتعامل بنسبية مع ما هو نسبي ولن تجعل القانون يأخذ مرجعيته من الشرائع الدينية لمجرد انها شرائع دينية واجبة التطبيق.

2 – بالدخول على التجمعات العلمانية على شبكة التواصل الاجتماعي، ستجد ان اغلب المنشورات ( البوستات ) هي نقد للاسلام كديانة والمسلمين كتصرفات وزي وعادات. بالطبع العلمانية لا تمنع نقد الاديان بل هي تعطي الحرية للجميع للنقد سواء كانت مقدسات او رجال دين او غيرهم، لكن الاصرار والتركيز على نقد الدين بصورة مبالغ فيها – في رأيي – يولد شعورا لا اراديا لدى المتابع الغير متعمق ان العلمانية هي حركة هدفها هدم الاسلام.

3 – بعض المسلمين يقيمون العلمانية حسب افعال بعض العلمانيين المتطرفة وهو ما يزعج العلماني الاكاديمي لانه يرى ان هذه اخطاء في تطبيق وفهم العلمانية وليس في العلمانية ذاتها، في حين ان اغلب العلمانيين يقيمون الاسلام حسب افعال داعش والقاعدة والمتطرفين الإسلاميين واذا حاول المسلم شرح وجهة نظره ان هذا ناتج عن عيب في فهم وتطبيق الاسلام يسمعوه معلقات عن انه يحاول التبرير والتجميل وانهم ادرى به بالاسلام الصحيح. لاحظ ان كل طرف يرى انه عرف المعنى ( الصحيح ) وان انكار الطرف الاخر هو نوع من الانكار للواقع وخداع النفس.

ومن هنا يتولد السؤال الشهير، لماذا الاسلام تحديدا الذي يأخذ نصيب الاسد – وفي بعض الاحيان الغابة بأكملها – من النقد طالما انا العلمانية لا تحمل موقفا عدائيا للاسلام تحديدا ؟ لماذا لا يوجد هجوم على المسيحية واليهودية او الاديان الاخرى؟ في رأيي ان هذا مرجعه لعدة اسباب:

أولاً: الاسلام هو دين الغالبية العظمى من سكان الدول العربية وهو من يمتلك في ادبياته فكرة انشاء دولة دستورها الدين، في حين ان المسيحيين العرب هم مجموعة من الاقليات – باستثناء لبنان – نسبتهم لاتقارن بتعداد المسلمين بالاضافة الى ان فكرة انشاء دولة او التزواج بين الدين والسلطة ليس موجودا في ادبيات المسيحية. هذا ما يجعل المشروع الاسلامي هو صاحب الصوت الاعلى لانه صاحب المؤيدين الاكثر عددا وصاحب الفرص الاكثر حظا للتطبيق مما يجعل الاعتراض عليه هو ايضا صاحب الصوت الاعلى وربما الوحيد لعدم وجود برامج اخرى على الساحة.

ثانيا: ان اكثر الفئات المتضررة من تطبيق فكرة دولة الخلافة هم الملحدين واللادينيين والمسيحيين وبعض المسلمين الذين لا يشاركون الغالبية في ايمانهم بحتمية الخلافة، لذا فطبيعي ان تجد كل هؤلاء يتحدثون تحت مظلة العلمانية لابداء اعتراضهم على المشروع الاسلامي. وهي النقطة التي تجعل المسلم يظن ان اعداء الاسلام هم من يريدوا تطبيق العلمانية لان اغلب العلمانيين هم من اعداء الاسلام او كارهيه على افضل تقدير بالنسبة له.

ثالثاً: اغلب الملحدين او اللادينيين من اصول مسلمة لانهم الشريحة السكانية الاكبر، فمن الطبيعي حين يهاجموا الدين ان يكون تركيزهم على عقيدتهم السابقة التي يعتقدون انها سبب تاخر البلاد. مثلما يهاجم الملحدين في اوروبا وامريكا المسيحية واليهودية لانها الديانات الاكثر انتشارا هناك، لهذا نجد ان الملحدين من اصول مسيحية يهاجمون المسيحية ومعتقداتها لكن لقلة عددهم لا ينالوا نفس التركيز والشعبية التي ينالها مهاجمين الاسلام. اذا وضعنا هذا الهجوم كماً وكيفاً في اطار سماح العلمانية بالنقد للمقدسات، سنجد ان نسبة الهجوم على الاسلام اعلى بكثير من مثيلتها على باقي الاديان والمذاهب.

رابعاً: بعض المسيحيين يستظلون بمظلة العلمانية للهجوم على الاسلام وليس لاقتناعهم بالعلمانية في حد ذاتها، فنجده يهاجم تعدد الزوجات لكن يهاجم من يعترض على قوانين الطلاق في المسيحية. او يؤكد على وجوب حذف المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على ان مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ثم يرفض حذف المادة الثالثة التي تنص على ان مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. هذا التناقض يجعل البعض يظن ان العلمانية تعادي شريعة الاسلام تحديدا وليس الشرائع الدينية عموما.

لهذه الاسباب اصبحت الان اتفهم وجهة نظر صاحب تلك الصورة الذهنية عن العلمانية، واصبحت اهتم بمحاولة توضيح الصورة على قدر استطاعتي.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.