العنف والجنس …المسموح والمنبوذ عندما كنا صغار ، وكان العالم محصور بين مشاهدة محطات تلفزة محددة تبدأ بالتلفزيون الاردني وتنتهي بالتلفزيون الاسرائيلي . وكان الفيلم العربي المصري الساعة السابعة من كل جمعه هو نافذة التسلية العائليه ، ومكان مناقشة المشاكل الاجتماعية . كانت تتردد على مسامعي من احاديث الكبار كلمات ترمي الى ان الجرائم تحدث […]

العنف والجنس …المسموح والمنبوذ

عندما كنا صغار ، وكان العالم محصور بين مشاهدة محطات تلفزة محددة تبدأ بالتلفزيون الاردني وتنتهي بالتلفزيون الاسرائيلي . وكان الفيلم العربي المصري الساعة السابعة من كل جمعه هو نافذة التسلية العائليه ، ومكان مناقشة المشاكل الاجتماعية . كانت تتردد على مسامعي من احاديث الكبار كلمات ترمي الى ان الجرائم تحدث في ظل الكبت المتنامي بسبب الفقر وقلة الامكانيات التي تمنع الشباب عن الزواج وبناء الأسرة . طبعا كلمة جنس كانت كما لا تزال ممنوعة . ففك الكرب من الكبت كان يتماثل امام عقلي بكلمة بناء اسرة . ولم يكن من داع لعقلي الصغير ان يتعاطى في تحليلات واسئله لان اسئلتي لم تكن لترى اي نور لجواب لانها لابد كانت ستدخل في عالم المحظورات .

وكبرت ولم يكبر وعيي لهذه الامور . وكنت ولا زلت امثل كما يمثل اطفالي اليوم واهلي من قبلي تراكمات تربية مستمرة على نهج معين بدون اي شك بلا وعي وبالطبع بدون اي مكان للتفكير . امور ترعرعنا عليها وشبنا ونحن نمارسها كطقوس مقدسة . وكما ان الجنس محظور ، تبقى العبادة ايضا محصورة في حيز معين ، تأخذ اشكالا نمارسها بلا وعي وتصبح عبادات مقدسة ونستمر بنفي القدسية عنها الا اننا لا نقف عن ممارستها .

واليوم اصبح العالم يترامى امامي من خلال شاشات اصبح التلفزيون فيها عالما كاملا من عوالم لا حصر لها . اتخيل اهل كأهلي مثلا وهم يحاولوا اغماض اعين ابناءهم عن مشهد قبلة في فيلم ما . اليوم تجلس العائلة ، ومصطلح العائلة يبدو جميلا في جمعه للشمل اما م الشاشة ولا يوجد حصر لما يحدث . فالقبلة اصبحت منذ زمن امرا عابرا لا يستحق الوقوف او حتى الملاحظة . ونشاهد مع اولادنا الايحاءات والمشاهد الجنسيه الكاملة بلا ادنى شعور بالحياء ، الا اننا نستمر وبشدة التنكر لهذه الامور علنا وبصوت عال ونشجبها ونمنع اولادنا من الحديث فيها اذا ما فكروا لا قدر الله بالسؤال عنها .

وبين التنكر لهذه المشاهد والممارسات الممنوعة دائما وابدا . نقف اليوم مع انفسنا سواء كنا كبارا ام صغارا ، ونتعاطى مع مشاهد القتل والعنف ونتداولها ونشمئز لبشاعتها ونشجب صناعتها وحدوثها . وكمشهد القبلة في الافلام المصرية القديمة نغلق اعيننا ونستمر في المشاهدة والتنكر للحدث في انتظار مشهد اخر قادم يثيرنا للحظات ونقمع شعورنا ونستمر في الحياه .

هذه حياتنا بكل بساطة .. قمع واثارة . وبحث في الظل والخفاء عن كل هذه الممنوعات . وبينما استمر التعاطي بالجنس في الممنوع ، كبر التعامل مع العنف والجريمة والسماح بالتعاطي به بالعلن . فمثلا استطيع ان اترك ابني يلعب على احد العاب الفيديو التي تبث العنف والجريمة بكل دواعيها التي تتعدى الواقع في علبة لعبة الكترونية . وارفض بشدة ان ينظر ابني الى مشهد اباحي امامي واوبخه .

هكذا تنامي فينا العنف . فاستبدلنا اثارة حواسنا الجنسية بتلك العنيفة . فأصبح العنف سيد الموقف . فلا نأبه لتعذيب حيوان ولا لسحل انسان . نرى مشاهد القتل ونناقشها ونحللها وكأنها برامج تربوية . نتفق فيها ونختلف . ونترك المجال لكل اعضاء العائلة بالمشاركة بالتحليل . بالشجب او الاتفاق.

ونظن بأن شجبنا ورفضنا المعلن لهكذا ممارسات هو انساني واخلاقي ويكفي حاجاتنا الانسانية من مشاعر تخفي تحمل المسؤولية . ونستمر بالمشاهدة والاشمئزاز . وصرنا نفرق بين انسانيتنا حتى اصبح كل من يسكن معنا في نفس البيت هو الاخر المباح استباحته .

ولم نعد نعي ما الذي نشجبه وما الذي نتفق معه . فالمشهد واحد. عنف مترامي . عنف قد يكون بمشهد قتل . حتى اصبح القتل بمشاهده درجات نتقبل البعض منها . فالحرق وقطع الرأس وتشويهالجسد والتعذيب والشنق والخنق واطلاق النار او التفجير كلها مشاهد نتلذذ في اللا وعي الحي بداخلنا بمشاهدتها .

فلم يعد حتى هذا مهم اذا ما كان الضحية آخر .

والآخر يندرج تحت طائلة قائمة طويلة من التسميات . فالحيوان ليس بالضرورة من القائمة ، وقد يكون الحديث عن الحيوان هنا رفاهية نخبوية في نظر بعض الفئات . فمن يحتاج لرأفة بكلب يجر على ايدي مجموعة من الاطفال تحت أعين الاهل؟ ومن عليه الرأفة بقطة يتلذذ اطفال بشدها من ذنبها والتسابق على التقاطها ورميها وقطع اطرافها ؟

ومن يرأف بشيعي حاقد على السنة ان لم يقتل اليوم كان سيقتل هو السني غدا ؟ ومن يهتم لمسيحي كافر يكن للاسلام الكراهية والضغينة ؟ وللجحيم بكل اولئك الارهابيون الذين نتلهث لسماع التخلص منهم سواء بتفجير او كمين او قصف او ذبح . ونصفق ونهلل اذا ما كان يهوديا قتل هنا او هناك . فهي الفرصة الاكبر لفش خلقنا وانتقامنا من ظلمهم المستمر لنا . وهم كلهم سيان . وكل قتيل من النصرة هو شهيد او ارهابي . وكل داعشي هو ارهابي او شهيد مظلوم لم يفهم قصده من قبلنا .

ونحزن بعدها بانسانية سقيمة مستقيمة فينا على تمثال وصحيفة وتاريخ بالنسبة لمن قد مكانه بفأس واشعل النار فيه رجس وكفر . وقد يكون بالنسبة للاخر منا اقتلاع فج فظ جاهل لتاريخ عريق .

ترعبنا مشاهد حرق الكنائس والمساجد ، وبالطبع تفرح الاخر منا بالطرف المقابل كل على حسب انتمائه ، وتشعل مشاعرنا ، وتغضبنا ، ونتصايح على ظلم لحق بنا …

ونستمر في تغيير المحطات ، والمشاهدة بعيون وقحة خلت منها الحياة نفسها …

ونسمح لأنفسنا واولادنا بالمشاهدة والتحليل والتمحيص والموافقة والشجب ، وكأننا نصدق بأننا نربي ابناءنا على حرية التعبير . وإذا ما وقفت ابنتي امامي وسألتني ماذا تعني كلمة جنس . انقض من مقعدي واصرخ بوجهها قائلة : اخرسي عيب .

ولا نزال نحزن وبشدة اذا ما جاء ابننا مضروب من قبل بعض الاطفال وننبذه ونحرضه على الدفاع عن نفسه ونقول بصوت عال جدا : اللي بضرب اضربه . ونفضل في سرنا وعلننا ان يأتي ابننا ضاربا غير مضروب . ثم نقول بأننا ننبذ العنف.

نعيش منذ بدأنا العيش ونترعرع على تناقضات وكذب يتنامى مع كل يوم . نقول ما لا نفعل .

نكذب فيما نصدق ونصدق فيما نكذب .

نرفع شعارات لما لا نؤمن به .

نمارس عادات اصبحنا نعبدها . ،ندعي العبادة لاله نتنكر له .


ننشد عبارات لا نطبقها .

نتباهى بتاريخ لا يشبهنا .

نربي على ما لا نؤمن به .

ننادي الى ما لا ندعو له

نتنكر لمشاعرنا .

نعيش لنرضي محيطنا .

نكذب في كل ما نربي عليه ابناؤنا

نتكلم عن تكاتف الاسرة ونحن متفككون

نزرع في اولادنا الحب ونحن لبعضنا كارهون

نمارس المسموح والممنوع بالخفاء ونطالب ابناءنا بالشفافية والصدق .

نتكلم عن الأخلاق وندرسها ونحن بلا أخلاق .

نمنع اطفالنا من التدخين وندخن امامهم .

نضع امامهم صور قباحة الجنس وقرفه ويرونا نمارسه.

نطلب منهم مصارحتنا والتقرب منا ، وويلهم اذا ما رفعوا صوتهم امامنا وناقشونا في المحظور وفي اي شيء لسنا المتحكمون فيه .

نربيهم على تضحيتنا من اجلهم ، ونطالبهم منذ نعومة اظافرهم في التضحية بأنفسهم لنا غصبا عنهم كمقابل .

ندعي العمل من اجل اسعادهم وبالحقيقة اننا فقط نسعى لملء الغرور فينا .

نريدهم ان يكونوا امتدادا لنا غصبا وطوعا . قهرا وحبا .

نربي ونتربى على تناقضات ونتساءل عن الذي حل ويحل بنا !!!!

ونستغرب من داعش واخوانها !!

ونتساءل عما حدث للعائلة والأسرة ولا زلنا نتكر بآن مفهومنا الاصلي للاسرة يبدأ بمحاولتنا لدرء الكبت عن ابنائنا .


فما الذي نتوقعه من عالم بنى اسره على درء الكبت ومنع الانحراف ؟ ما الذي ننتظره من اسرة اسست لتكون مكبا لتفريغ الكبت فيه؟

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.