ليس سرًا أنّ المُستشارة الألمانيّة، أنجيلا ميركل، لا تستلطف نتنياهو، لا على الصعيد الشخصيّ ولا على الصعيد السياسيّ، ولكنّها حافظت طيلة تسلمها منصبها الحالي على علاقات دافئةٍ مع تل أبيب، وامتنعت قدر الإمكان عن توجيه انتقادات لسياسة الدولة العبريّة، علاوة على ذلك، يجب أنْ يُذكر في هذا السياق، أنّه قبل شهرين حصلت إسرائيل على الغواصّة الألمانيّة السابعة، والتي بحسب مصادر أجنبيّة، قادرة على حمل رؤوس نوويّة، كما أنّها تُمكّن إسرائيل من توجيه الضربة الثانيّة حتى بعد تعرضها لضربة نوويّة، على حدّ قول المصادر الأجنبيّة. على الملأ، لم تكترث تل أبيب رسميًا لتقارير صحافية في ألمانيا تحدثت عن تحذيراتها من استمرار عملية الجمود السياسيّ التي يقودها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو.

وخففت مصادر في إسرائيل مقربة من نتنياهو من وطأة التصريحات والانتقادات التي نسبتها مجلة “ديرشبيغل” الأسبوعية الألمانية إلى مقربين من المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وقالت إنها نابعة من خلافات داخلية. وتدلل هذه اللامبالاة الإسرائيليّة حيال انتقادات ألمانية أنّ تل أبيب ما زالت تراهن على عقدة الذنب التاريخية وعلى تغليب برلين المصالح الثنائية على أي شيء آخر.

وتناول تقرير “دير شبيغل” انتقادات متزايدة من حكومة ألمانيا للسياسة الإسرائيليّة. وادعى التقرير أنّ ميركل ووزير الخارجية فرانك فولتر شتاينماير، يشعران بالقلق لأنّ البناء في المستوطنات يجعل حل الدولتين غير ممكن، ويعتقدان أنّه من دون هذا الحل ستتحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري (ابرتهايد) على غرار جنوب أفريقيا التاريخية. وكما جاء في التقرير، فإنّه خلافًا للسابق، لم تعد القيادة الألمانية مستعدة لدعم إسرائيل في كل ظرف ودون شروط. وقالوا إنّ سياسة الحكومة الإسرائيلية تجعل حل الدولتين مسألة مستحيلة، كما أنّهم يشعرون بالقلق إزاء ما يعتبرونها محاولة من قبل نتنياهو لاستغلال صداقة ألمانيا من أجل مصالحه.

واقتبس التقرير في المجلّة المذكورة أقوال عضو البرلمان الألماني، رولف موتسنيتس، أحد كبار المسؤولين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي أكّد على أنّ هناك مفهومًا متزايدًا في الحكومة الألمانية بأنّ نتنياهو يستغل صداقتنا لاحتياجاته الخاصة.

وتابع أنّه إذا قامت وزارة الخارجية الألمانية أوْ مكتب المستشارة بإعادة النظر في منظومة العلاقات مع إسرائيل فسيحظى ذلك بالترحيب، بحسب تعبيره. وبحسب التقرير، فإنّ هذا التصريح شديد الاستثناء لأنّ المستشارة الألمانية حرصت في السنوات الأخيرة على التصريح بشكلٍ علنيّ بأنّ كلّ حلٍّ للصراع يجب أنْ يتم من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين. ويشار إلى أن المانيا صوتت في 2011 إلى جانب مشروع القرار ضدّ المستوطنات في مجلس الأمن، لكن الفيتو الأمريكي منع المصادقة عليه في حينه. وجاء في التقرير أيضًا أنّ العديد من المسؤولين الألمان الذين يُعتبرون من الداعمين الكبار لإسرائيل، يغيرون من توجههم في ضوء سياسة حكومة نتنياهو. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، لفتت المجلّة الألمانيّة إلى أنّ السفير الألماني السابق في تل ابيب، ادرياس ميخاليس، الذي يشغل اليوم منصب المدير العام السياسي لوزارة الخارجية قال خلال نقاش داخلي إنّه يجب عدم التجاوب مع مختلف طلبات نتنياهو.

ونقلت المجلة عن نوربرت روتغن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاتحادي (البوندستاج) وهو عضو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل قوله إنّ السياسات الإسرائيلية الراهنة لا تساهم في أن تظل الدولة يهودية وديمقراطية، مشيرًا إلى أنّه يجب أنْ نُعبّر عن هذا القلق بشكل أكثر وضوحًا لإسرائيل، على حدّ تعبيره.

كما جاء في التقرير أنّ مكتب ميركل فقد الأمل بتحقيق تقدم في العملية السلمية طالما تواجد نتنياهو في منصبه، وأنّه لم يقتنع أحد في ديوان المستشارة بادعاء نتنياهو بأنّ وسم منتجات المستوطنات يعتبر مقاطعة لليهود. أما مستشار الأمن القومي الألماني، كريستوف هويسيغن فدعا لدعم سياسة الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.

واعتبرت صحيفة “هآرتس″ أنّ ما نشر دليلاً على تآكل مكانة إسرائيل بعيون واحدة من أهم حليفاتها المهمات في العالم، لافتةً إلى أنّ نشر “دير شبيغل” ليس صدفة. كما رجحّت أنّ مكتب ميركل ووزارة الخارجية الألمانية هما من سرب هذه الانتقادات عن سبق الإصرار والترصّد. وهذا ما أشارت إليه أيضًا صحيفة “يديعوت أحرونوت” بقولها إنّ حكومات ألمانيا المتعاقبة صديقة مخلصة جدًا لإسرائيل، وإنّ تقرير “دير شبيغل” مقلق ويعكس ازدياد الأصوات في الحكومة الألمانية الداعية لتغيير التعامل مع إسرائيل.

كما ذكّرت الصحيفة بتغيير سياسة ألمانيا تجاه إسرائيل بقيادة نتنياهو عندما رفض وزير خارجيتها طلب نتنياهو مطلع العام الجاري بالتدخل لتلطيف نص قرار للاتحاد الأوروبي يدين الاستيطان. كما ذكرّت بأن ميركل استشاطت غضبًا بعدما نسب نتنياهو لها غداة لقائهما الأخير قولها بأن الوقت غير مناسب لتسوية الدولتين. وكانت صحيفة”يديعوت أحرنوت” كشفت في شباط (فبراير) الماضي عن أنّ غضبًا شديدًا في ألمانيا وفي مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على نتنياهو لتلاعبه بأقوال ميركل حول حل الدولتين.

كما انتقدت الحكومة الألمانية ونواب في البرلمان بشدة رئيس حكومة إسرائيل عقب تلاعبه بتصريحات ميركل. هذا وتناقلت وسائل إعلام ألمانية أنباء عن حالة من الغضب في برلين، عقب تصريحات أطلقها نتنياهو، بشأن الموقف الألماني الرسمي من حل الدولتين، حيث أفاد مسؤولين ألمان أن نتنياهو استغل لقاءه الأخير بالمستشارة ميركل، وحاول الإيحاء بأنّ لدى برلين مواقف رافضة لحل الدولتين، وهو ما يتناقض مع موقفها الصحيح. من جهتها أشارت صحيفة “دي فيلت” الألمانية، في تقرير لها إلى أنّ مسؤولين بالحكومة الألمانية ونوابًا بالبرلمان انتقدوا بشدة رئيس وزراء إسرائيل، حين صرح عقب لقائه الأخير بالمستشارة ميركل، بأنّها تنظر إلى القضية الفلسطينية بنفس الأسلوب الذي ينظر إليه، مُوحيًا بأنّها ترفض حل الدولتين، وتشاطر تل أبيب مواقفها الرافضة لهذا الحل.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.