بحسب كلّ المؤشّرات والدلائل على الأرض فإنّ المُواجهة القادمة بين دولة الاحتلال وبين المُقاومة اللبنانيّة، المُتمثلّة بحزب الله، باتت مسألة وقت فقط، والسؤال الجوهريّ هو ليس هل ستندلع حرب لبنان الثالثة، إنمّا متى؟.

في هذا السياق يجب الانتباه إلى عدّة عوامل أصبحت تتصدّر الأجندة، مع التشديد على أنّها مجتمعةً وكلّ واحدٍ على حدّةٍ، هو باعترافٍ إسرائيليٍّ رسميٍّ: الأوّل، ترسانة حزب الله العسكريّة تضاعفت، مقارنة مع حرب لبنان الثانيّة في صيف العام 2006، عشرات المرّات، كمًّا ونوعًا، وباتت كلّ بقعةٍ في الدولة العبريّة في مرمى صواريخ المُقاومة، الأمر الذي يؤرق صنّاع القرار في تل أبيب.

العامل الثاني، والذي لا يقّل أهميّةً عن الأوّل، هو إقرار الحكومة الإسرائيليّة علنًا بأنّ القيادة العسكريّة تأخذ بعين الاعتبار بأنّه في الحرب القادمة سيُحاول حزب الله “احتلال” مُستوطناتٍ إسرائيليّةٍ تقع في شمال الدولة العبريّة، الأمر الذي دفع حكومة بنيامين نتنياهو، ولأوّل مرّةٍ في تاريخ هذا الكيان، المُقام على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ، إلى الإعلان عن خطّةٍ لإخلاء وإجلاء المُستوطنين في الشمال في حال اندلاع الحرب ضدّ حزب الله، وبحسب تقارير صحافيّةٍ عبريّةٍ، فإنّ عدد المُواطنين الذين سيتّم إخلاؤهم سيصل إلى المليون.

أمّا العامل الثالث، فهو الاعتراف الإسرائيليّ الصريح بأنّ سلاح الجوّ لن يتمكّن من حسم المعركة، كما كانت تفعل إسرائيل في حروبها السابقة، والإقرار بأنّ عقيدة بن غوريون القتاليّة، والقاضيّة بإدارة المعارك في أراضي العدو، باتت في خبر كان، إذْ يُقّر قادة تل أبيب من المُستويين السياسيّ والعسكريّ، بأنّ العمق الإسرائيليّ سيكون ساحة معركة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، وأنّ حزب الله، بحسب تقدير الاستخبارات الإسرائيليّة، قادرٌ على إطلاق حوالي 1000 صاروخ يوميًا على الدولة العبريّة، وهذه الصواريخ متطورّة ومُتقدّمةً جدًا، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه الصواريخ ستصل إلى كلّ منطقةٍ في إسرائيل، علمًا أنّ الأخيرة تعود وتؤكّد مرّةً تلو الأخرى، بأنّ منظومات الدفاع مثل القبّة الحديديّة والصولجان السحريّ، ستعمل على حماية المطارات العسكريّة والقواعد العسكريّة والمنشآت الحيويّة، وخصوصًا الخشية الكبيرة من إمكانية تمكّن حزب الله من ضرب مطار بن غوريون الدوليّ وشلّ الحركة الجويّة من وإلى إسرائيل.

بناءً على ما تقدّم، يُمكن القول والجزم والفصل إنّ قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله تغيّرت كثيرًا، ويكفي في هذه العُجالة الإشارة إلى أنّ وزير الأمن الإسرائيليّ، المُتطرّف والمُتشدد، أفيغدور ليبرمان، قال بالفم الملآن، إنّ ترسانة حزب الله العسكريّة أقوى كمًا ونوعًا من العديد من دول حلف شمال الأطلسيّ (الناتو)، وأنّ الحزب لم يعُد منظمة حرب عصابات، إنمّا جيشًا متوسطًا على كلّ ما يعنيه هذا المصطلح.

وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أنّ رئيس اركان الجيش الإسرائيليّ، غادي آيزنكوت، قال خلال إحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين في حرب تموز، إنّ حزب الله موجود على رأس أولويات عالٍ جدًا لدى الجيش الإسرائيليّ. وأضاف: نحن نعطي أولوية للجبهة الشمالية. هناك خطة دفاعية وهناك أيضًا خطة هجومية. وتابع: يتواجد حزب الله في واقع غير بسيط بسبب الحرب في سوريّة. ولكن لا نسمح لذلك بان يخدعنا.

وبحسب كلام رئيس الأركان الإسرائيليّ فإنّ منظمة حزب الله تتواجد في وضعٍ استراتيجيٍّ معقد جدًا. ثلث عناصر المنظمة اليوم يقاتلون في سوريّة، العراق واليمن، الأغلبية في سوريّة. واكتسب تجربة قتالية، نحن لا نتجاهلها. وتابع آيزنكوت قائلاً إنّه في السنوات الإحدى عشرة الماضية، منظمة حزب الله تعاظمت في اختبار القدرة، على الرغم من أنّه تُواجهها تعقيدات كبيرة جدًا، على حدّ تعبيره.

في سياقٍ متصلٍ، ذكرت صحيفة “هآرتس″ أنّ جيش الاحتلال يخشى من أنْ تقوم منظمات كحزب الله بتركيب أجهزة تنصت في سيارات ضباطه، لذا قام بشراء خدمات تكنولوجية من شركة خاصة لمراقبة هذه الأجهزة.

وأوضحت “هآرتس″ أن الجيش دفع قبل عدة أشهر ما يقرب من 50 ألف شيكل لشركة خاصة، من أجل إجراء فحص حول إمكانية أن يكون قد تم وضع أجهزة تنصت في سيارة ضابط كبير. وبحسب مصدر في جيش الاحتلال، هذا الإجراء لم يتخذ على خلفية معلومات استخباراتية وصلت إلى المؤسسة العسكرية بل في حال حصل سطو على سيارة ضابط كبير أو ركنها الأخير دون رقابة لفترة طويلة.

خُلاصة: السؤالان اللذان يبقيان بدون جوابٍ: بما أنّ سلاح الجوّ، باعتراف أركان تل أبيب، ليس قادرًا على حسم المعركة، هل ستجرؤ إسرائيل على خوض حرب لبنان الثالثة بعمليّةٍ بريّةٍ تحتّل فيها أراضٍ لبنانيّة، علمًا أنّ الجيش سيتكبّد خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. والسؤال الثاني الإستراتيجيّ: هل الدولة العبريّة قادرةٌ على مُواصلة العيش في “كنف” التهديد الخطير الذي يُشكلّه حزب الله، علمًا أنّ التقدير الإستراتيجيّ الإسرائيليّ للعام 2017 أقّر بأنّ حزب الله هو العدّو رقم واحد؟

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.