الثاني عشر من شهر آب (أغسطس) من العام 1976 لم يكن يومًا اعتياديّا بالنسبة للفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في مخيم تل الزعتر، فهو اليوم الذي أُغلق فيه باب الضمير الإنساني على حياة أناس كثيرين، هو خاتمة خمسة وخمسين يومًا من الحصار.

ياسر كان شاهدًا على تلك المجزرة، كان في السادسة من عمره عندما حوصر المخيم الذي سقطت عليه أكثر من خمسة وخمسين ألف قذيفة.

كان ياسر كغيره من الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات، في بيوت قد يكون لها أسقف من إسمنت، وقد لا يكون، ومعظمها لم تكن تعلوها طبقات أخرى ليحتمي ساكنوها في الطبقات الأولى من المباني عند اشتداد القذائف، لذلك خاف الناس البقاء في تلك البيوت، كما خاف الناس البقاء في البيوت الموجودة على أطراف المخيم، فاحتشد سكان المخيم في بعض الأمكنة الموجودة في المخيم، المخيم الذي كان يأوي بالإضافة إلى ساكنيه، العمال الذين كانوا يعملون في المصانع القريبة من المخيم، أما ياسر علي المولود في المخيم كان بيته قريبا من منطقة اسمها مخازن غرة، أو معامل غرة، وقد كانت تلك المنطقة فيها مخازن العدس، العدس الذي اعتمد عليه الناس في أثناء الحصار غذاءً لهم.

صمد أهل المخيم ما يقارب الاثنين وخمسين يومًا تقريبًا، وسقط المخيم بسقوط حنفية الماء التي كانت موجودة في الحي التحتاني من المخيم، وفي اليوم التالي لسقوط الحنفية بدأت المفاوضات لخروج الناس والمقاتلين من المخيم، فقد كانت الحنفية الوحيدة التي توفر المياه للناس، على الرغم من أنها كانت مرمى للنيران، وعند الحنفية استُشهد عدد كبير من الفلسطينيين، أطفال كثر ماتوا، ورجال ونساء وشيوخ. لم تكن تستطيع سيارات الإسعاف الدخول إلى المخيم، لأن المخيم كانت طرقاته ضيقة. يقول ياسر: ما حصل هو إجرام وقتل وحشي لم تشهده البشرية. صار التفاوض على وقف إطلاق النار بعد أن سقطت الحنفية.

قبل التفاوض حصلت مجزرة كبيرة قرب الجامع في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني، وأعداد كبيرة من الجثث دُفنت في مناطق متفرقة من المخيم. أما المجزرتان الكبيرتان اللتان حصلتا، فقد كانتا في مبنيين، مبنى الراعي الصالح، وفي مبنى آخر، وفي المبنى الأول سقط ما يقارب الخمسماية شهيد، أما في المبنى الثاني لم يعرف عدد شهداء.

المأساوية التي شهدها المخيم كانت في ندرة الأدوية، وإجراء العمليات من دون بنج، ووعدم وفرة أسرة للجرحى، فكانت الأرض أسرتهم بانتظار دورهم في العلاج.

المجزرة الأكبر التي صارت كانت في أثناء خروج الناس من مخيم تل الزعتر. بعد انقضاء خمسة وخمسين يومًا من الحصار صدر قرار من القيادة المشتركة بالمنطقة الغربية، بأن يترك المقاتلون أماكنهم ويخرجوا عبر الجبال، عبر وادي المكلس باتجاه الكحالة، أو باتجاه المونتي فيردي والمنصورية، ومن هناك يذهبون إلى الجبل.

حاصر مخيم تل الزعتر الكتائب، تنظيم وليم حاوي الذي كان قائدًا للمعركة، وقُتل خلالها، وعندما قُتل وليم حاوي ورثه بشير الجميل، حيث كانت القوات اللبنانية الجناح العسكري للكتائب، وتابع المهمة، والنمور الأحرار الذين اعتُبروا أشرس ناس في قتالهم ضد المخيم، هم جماعة كميل شمعون، وحراس الأرزالذين كانت عمالتهم واضحة لإسرائيل.

يوم سقوط المخيم وضع المحاصرون عددًا كبيرًا من الحواجز، ليقطعوا الطريق بين المخيم ووداي المكلس الكحالة، وهناك كانت قوات الكتائب متجمعة، وبعد الكحالة كانت فصائل منظمة التحرير موجودة، القوات المشتركة، وفي المنطقة التي قطعوا فيها الطريق كانت قوات الكتائب تلقي القبض على الناس وتقتلهم، وقُتل عدد كبير من المقاتلين والناس، ومنهم من أُسر.

المجزرة الثانية التي حصلت كانت عند صباح خروج الناس من المخيم، فبينما كان الناس يخرجون من المخيم، أطلق الكتائب النار عليهم، فهرب قسم إلى الأمام، وقسم إلى الخلف، ومن ثم أخذوا الناس إلى منطقة بالدكوانة تسمى الفندقية، ومن ثم أتى أمين الجميل وصار يشرف على تحميلهم في الشاحنات، ومن المخيم إلى الفندقية حصلت عدة مجازر، وبعد الفندقية صارت مجازر أيضا، حتى السريان شاركوا بهذه المجازر.

مشاهد مأساوية حصلت، منها: قتل أبي علي سالم بصورة مريعة، فبعد أن تم إلقاء القبض عليه، ربطت ساقاه، كل واحدة بسيارة معاكسة وسارتا، وماغي كانت تحمل بندقية قتل زوجها بالحرب، فأحضرت مجموعة من الأولاد وأخذوا مجموعة من الفلسطينيين، وقتلوهم، غير القتل تقنيصًا لمجرد القتل فقط.

المشاهد كانت مؤذية، القتل بالمجان، الاغتصاب مشروع، أعداد كبيرة من الأطفال بيعوا لعائلات موجودة في فرنسا. الإجرام كان على مستوى عالٍ.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.