انعقدت دورة المؤتمر القومي العربي الثلاثون في بيروت المقاومة والحرية والتحرير، يومي الجمعه والسبت 5 و6 تموز/يوليو 2019، بمشاركة نحو مائتين من أعضائه وضيوف وإعلاميين من سائر أنحاء الوطن العربي.

وقد ناقش المؤتمر تقريراً سياسياً رصد المتغيرات العربية والإقليمية والدولية، بقراءة موضوعية عميقة وشاملة. كما ناقش الموضوع الخاص بهذه الدورة وهو "الكتلة التاريخية أمام التجربة التاريخية"، والأوراق المتعلقة بالمشروع النهضوي العربي (الوحدة العربية – الديمقراطية - الاستقلال الوطني والقومي" صفقة القرن وسبل مواجهتها" - التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية – التجدد الحضاري)، إضافة إلى تقييم عمل المؤتمر وسبل تفعيله بعد أن استطاع الصمود في ظل تحديات وأعاصير ضربت المنطقة خلال ثلاثين عاماً

وجرت خلالها تجاذبات ومراهنات فشلت جميعها في حرف المؤتمر عن بوصلته الأساسية وفي قلبها فلسطين. وقد خلص المؤتمر إلى تأكيد قراءته للمستجدات العربية والإقليمية والدولية، والتي يمكن تلخيصها في أن هناك إجراءات تكتيكية هجومية عدوانية لمحور يتراجع استراتيجياً هو المحور الأميركي - الصهيوني - الرجعي العربي الرسمي، مقابل إجراءات تكتيكية دفاعية لمحور يتقدم استراتيجياً يضم المقاومة العربية والجمهورية الإسلامية في إيران والقوتان الروسية والصينية وقوى التحرر العالمية، وذلك يوجب على بعض أصحاب القرار العربي وأهل الفكر مغادرة ثقافة الهزيمة المتسترة بالموضوعية والواقعية نهائياً وقطعياً، إلى ثقافة الثقة بالنفس لكون هذه المتغيرات العربية والإقليمية والدولية ما كان لها أن تكون لولا انتصار المقاومة في لبنان على العدو الصهيوني، وفي العراق على الاحتلال الأميركي، وصمودها في فلسطين، وقلب المعادلة في سوريا وتقويض مشروع استهدافها لصالح وحدتها وعروبتها واستقلالها وسيادتها على كامل أرضها وثرواتها، في وجه محاولات تقسيمها وربطها بمحور مضاد لموقعها الطبيعي المقاوم.

ولا يقلل من هذه الإنجازات تهافت بعض الأنظمة العربية على التطبيع مع العدو الصهيوني، سيما وأن القوى الشعبية العربية من محيطها الى خليجها ترفض كل أشكال التطبيع السياسي والثقافي والإعلامي والاقتصادي والتربوي والرياضي والسياحي وغيرها مع هذا العدو رفضا قاطعا، وهو ما تجلى في التظاهرات والتحركات الشعبية الرافضة ل "صفقة القرن"، ولورشة البحرين الخيانية التي قادها الأميركي الصهيوني كوشنير.

ولا بد من تحية للدول العربية (الكويت ولبنان والعراق والجزائر) التي قاطعت هذه الورشة التي هدفت الى إنهاء القضية الفلسطينية وإذلال الشعب العربي.

والمؤتمر إذ يحيي الهيئات والجهات واللجان العاملة على مناهضة التطبيع في العديد من أقطار الوطن العربي، فإنه يدعوها الى مزيد من التعاون فيما بينها عبر الوسائل المتاحة كافة، بما فيها إمكانية تشكيل مرصد عربي موحد لمقاومة التطبيع، وفضح المطبعين، مؤسسات وشركات وأفرادا، ونبذهم والتشهير بهم ومقاطعتهم، والى تنسيق الجهود مع هيئات المقاطعة ولجان مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني في الدول غير العربية. والمؤتمر يحيي قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والجولان السوري المحتل ويؤكد على ضرورة دعمها وتبنيها كخياراستراتيجي لا حياد عنه لاسترجاع الحقوق العربية وتحرير كل شبر محتل من الأرض العربية في فلسطين والجولان ولبنان، ونشر ثقافتها سبيلاً لبناء الأجيال العربية الصاعدة للدفاع عن الأمّة ومستقبلها في الحرية والاستقلال والسيادة.

 أمام هذه المستجدات المفصلية، وأمام المرحلة الجديدة التي يتهيأ لها العالم، حيث انتهاء نظام القطب الواحد، وحيث تأزم النظام الراسمالي – المتوحش، وحيث تنامي المقاومة للمشروع التقسيمي – التفتيتي للمنطقة العربية، وتزايد الوعي بخطورة تفشي العصبية الطائفية والمذهبية والمناطقية، فإنه تقع، على القوى والهيئات القومية والوطنية، مسؤولية تجذير الدعوة الى الوحدة الوطنية الشعبية في كل قطر عربي في إطار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والى إعادة القضية الفلسطينية الى مكانتها كقضية مركزية لأمّتنا العربية، إذ أنه وفضلاً عن أنها قضية سياسية وإنسانية وقومية، فهي أيضاً قضية وطنية تعني كل قطر عربي وكل مواطن عربي، لأنه بدون تحرير فلسطين من بحرها الى نهرها من الكيان السرطاني – الاستعماري، يصعب تحقيق التنمية المنشودة وتحقيق الأمن الوطني والأمن القومي. فمن الحقائق التاريخية والموضوعية أن التكامل العربي سياسياً واقتصادياً وأمنياً هو المدخل لتحقيق الوحدة العربية والسبيل لأن يكون لهذه الأمّة الموقع اللائق بين الأمم.

إن المؤتمر القومي العربي في دورته الثلاثين يؤكد على ما يلي:

أولاً: في القضية الفلسطينية: إن فلسطين من بحرها الى نهرها، وبالقلب منها مدينة القدس، هي جزء لا يتجزأ من الأمّة العربية، ولا يحق لأية جهة فلسطينية أو عربية أو إقليمية أو دولية التنازل عن اي شبر منها، أو القبول بأي صفقة تبقي على الاحتلال الصهيوني لأي بقعة منها أو تحول دون عودة الشعب الفلسطيني الى أرضه ودياره وممتلكاته. وهنا لا بد من تحية الى الشعب الفلسطيني وقواه وقياداته التي توحدت رفضاً ل "صفقة القرن" وكان ذلك رافعة لهمم الجماهير العربية، ومحفزاً لأمل التسريع بإنهاء الانقسام الفلسطيني المرفوض بكل المعايير وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ركيزة النضال والكفاح والمواجهة مع العدو الصهيوني - الأميركي.

إن المؤتمر يثمن عالياً وغالياً نضال الشعب الفلسطيني، ويخص بالذكر أسراه ومعتقليه ونضالهم من داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية، ومسيرات العودة المستمرة بكل شجاعة وبسالة على الرغم من شلال الدماء الزكية لمئات الشهداء والجرحى شيوخاً وشباباً، نساء وأطفالاً، ويثمن أيضاً صموده في كل الأرض العربية الفلسطينية المحتلة بصدور عارية في وجه الغطرسة الصهيونية وأدواتها التدميرية، وهو يدين الصمت الدولي والرسمي العربي على استمرار الحصار الصهيوني لغزة غير الإنساني وغير القانوني.

 كما يدين تراجع الهيئات الدولية والعربية عن التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني سواء التزاماتها حيال الأنروا أو التزاماتها حيال السلطة الفلسطينية، ويدين أيضاً وبصوت عال صمت مؤسسات حقوق الانسان عن قانون قومية الدولة اليهودية والممارسات العنصرية الصهيونية، ويطالب الأمم المتحدة بالعودة الى قرارها باعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية.

ثانياً: في قضايا الأقطار العربية التي تتعرض لعدوان خارجي علني أو مستتر. إذ يؤكد المؤتمر على حق الشعوب في اختيار أنظمتها، وفي سعيها لبناء ديمقراطيتها وعدالتها الاجتماعية وحقها في التعبير والتنقل وضمان أمنها الاجتماعي، فإنه يرفض رفضاً قاطعاً الاستعانة بقوى خارجية لا تتردد في إعلان أطماعها ومشاريعها وتحالفها مع قوى الاحتلال والصهيونية. كما يرفض الإرهاب المرتكز على التطرف والغلو والتعصب أو استخدام السلاح وسيلة للتغيير السياسي. إن المؤتمر يدعو الى حوار سياسي بين اطراف ومكونات النسيج الوطني لكل دولة تحت سقف وحدة وعروبة واستقلال الدولة وسيادتها، ورفض التدخل الخارجي في شؤونها، وبما يضمن حقوق مواطنيها في المساواة والإصلاح والتطوير ومحاربة الفساد وإنهاء الاحتكارات والارتهان الى وصايا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان يستخدمان الديون وسيلة لمصادرة إرادة الدول ونهب ثرواتها وتفكيك مجتمعاتها.

ويؤكد المؤتمر على رفضه لكافة مخططات التجزئة في الوطن العربي ومحاولات تقسيم أقطاره تحت أي مسمى كان، وأخذ العبر من النتائج الكارثية لتقسيم السودان وفشل محاولة تنفيذه في العراق. إن قوى التقسيم والتفتيت هي قوى تعمل في خدمة الصهيونية لا محال.

 كما يدعو المؤتمر وبإلحاح شديد الى وقف العدوان الخارجي على اليمن، فهذا العدوان دمر وقتل وشرّد اليمنيين واستنزف طاقات واموال عربية، وفي الوقت عينه عجز وسوف يستمر عاجزاً عن تحقيق ما توهّم انه يمكنه تحقيقه.

 والمؤتمر يتوجه الى الأطراف اليمنية كافة للعودة الى لغة الحوار فيما بينهم وايجاد الحلول السياسية التي تحفظ وحدة اليمن وعروبته واستقلاله وحقن الدماء ووقف الدمار.

إن سورية هي قلب العروبة النابض وهي القوة العربية المواجهة للكيان الصهيوني الغاصب، وهي التي واجهت وتواجه عدواناً إقليمياً ودولياً واستطاعت بفضل تضحيات جيشها وشعبها وثبات قيادتها وإخلاص حلفائها، أن تحقق انتصارات مفصلية على طريق عودة كل الأراضي السورية الى كنف الدولة وسيادتها. وعلى هذا فإن المؤتمر يدين اقرار الإدارة الاميركية، بما يخالف القرارات الدولية، بوضع الجولان السوري المحتل تحت السيادة الصهيونية، الذي يخفي في طياته محاولة طمس احتلال الصهاينة لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية>

كما يرفض استمرار الجامعة العربية التزام قرارها المخالف لميثاقها بعدم عودة سورية الى موقعها الطبيعي في الجامعة.

كذلك يدين المؤتمر العدوان الاميركي والتركي المتلازمين ودعمهما للحركات الانفصالية والمتطرفة، ويدعو الى رفع الحصار عن سوريا، وتنفيذ قرارات وتوصيات الاجتماع التضامني مع سورية بوجه العقوبات والحصار الذي انعقد في بيروت في 2/6/2019 بدعوة من المؤتمر القومي العربي والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن. كذلك فإن المؤتمر يدعو الليبيين الى وقف نزيف الدم فيما بينهم، والبدء بحوار سياسي يضع مصلحة الليبيين فوق أي اعتبار، والخروج من سياسة الإستقواء بحلفاء إقليميين أو دوليين لحسم الصراع الداخلي.

 كذلك يهيب المؤتمر بالعراقيين الى إنهاء دستور بريمر وإقرار دستور جديد يؤكد وحدة وعروبة واستقلال العراق وتحرره كاملاً من الاحتلال الأميركي وطرد قواه من على كامل التراب العراقي، وبناء حياة سياسية ديمقراطية على اساس المواطنة والعدالة وتكافؤ الفرص.

والمؤتمر إذ يؤكد حق الشعب العربي في السودان والجزائر في التحرك السلمي للمطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية، وبناء نظم ديمقراطية مدنية تصون وحدة التراب وتحمي السيادة الوطنية وتمنع التدخل الخارجي فإنه يدعو الجميع الى الحفاظ على سلمية التحرك وحماية الوحدة الوطنية الشعبية في البلدين والحيلولة دون نفاذ القوى التقسيمية والتطبيعية ذات القابلية الدائمة للارتهان للخارج.


ثالثاً: في عناصر المشروع النهضوي العربي. يؤكد المؤتمر على: - دعوته الى معالجة الخلل في هيكل الاقتصاد العربي من حيث رفع حصة الصناعة والزراعة في الناتج الإجمالي ووقف الهدر في النفقات ومحاربة الفساد ووقف الإستعانة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في معالجة الاختلالات التي تعاني منها المالية العامة بما يعزز التجارة البينية والاستثمار المشترك وازالة الحواجز الجمركية، وانتقال القوى العاملة العربية انسجاما مع وحدة المصيرالعربي المشترك. إن الأنظمة العربيّة مدعوّة على الأقل الى تنفيذ مقرراتها المتخذة في القمم العربية منذ عقود، وفي الإجتماعات المشتركة، كمعاهدة الدفاع العربي المشترك والسوق العربية المشتركة، وتعزيز التجارة البينية وتكوين منطقة تجارة حرّة وغيرها من القرارات ذات الصلة في المجالات الاقتصادية والتربوية والثقافية. - ترسيخ مفاهيم الاستقلال الوطني والقومي لدى الشعب العربي بما يعزز الروح الوطنية والانتماء العربي، اذ لا يكفي جلاء المستعمر عن الأرض بل المطلوب إخراج مفاهيمه وقيمه التي تتناقض وقيمنا العربية الحضارية. لقد استغل المحتل طويلاً "نبل" مقاصده التمدينية وأخفى خبث مقاصده السياسية، والتي يمكن تلخيصها بسياسة فرّق تسد. - إيلاء قضايا التربية والتعليم الاهتمام الكافي سبيلاً للتجدد الحضاري، وأولى الخطوات إصلاح المناهج التعليمية بعيداً عن توصيات وإشراف البنك الدولي والمؤسسات التابعة له، وتعزيز اللغة العربية في هذه المناهج سيما وأن الدراسات أثبتت أن التعلّم باللغة الأم هو السبيل الى فهم أعمق للعلوم والى النبوغ والابتكار فيها، وتدريس مادة، في مختلف الاختصاصات الجامعية وفي جميع الجامعات الموجودة على الأرض العربية، تُعنى بالجغرافيا السياسية والاقتصادية والمعرفية للأمّة. أن الأمّة بدون التجديد الحضاري لن تستطيع الحفاظ على ثروتها البشرية التي تُستنزف بهجرة أدمغتها الشابة وقواها العاملة المدرّبة. إن الديمقراطية وحقوق الانسان هما مفتاح كل ممارسة سياسية، وهما المحركان للطاقات الشبابية والسبيل الأكثر تأثيراً والأقصر طريقاً لمحاربة الفساد الذي بات سبيلاً إضافياً للتدخل الأجنبي ورهن طاقات وثروات الأمّة لأعدائها.


رابعاً: في حرية التعبير ومسؤولية الاتحادات العربية المهنية - يدعو المؤتمر الى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي من أعضاء المؤتمر القومي العربي وغيره من الهيئات والقوى السياسية العربية وأهل الفكر والقلم، ويهيب بالاتحادات العربية النقابيّة القيام بالدور المرتجى منها على هذا الصعيد. كما يضم المؤتمر صوته الى الأصوات الداعية للإفراج عن المناضل جورج ابراهيم العبدالله المسجون منذ 35 عاما في السجون الفرنسية استجابة للضغوطات الأميركية. بيروت في 6/7/ 2019



المشاركون













حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.