فجأة، يوقف سمير الكوكباني بحثه في الضاحية الغربية للعاصمة اليمنية، صنعاء، عن الكنز المدفون في اقبية مكائن الخياطة اليدوية، فخر الصناعة الصينية.
الأن هو محبط ولا يرغب بمزيد من المطاردة لحلمه الذي كاد يدر الملايين عليه في غمضة عين.
كان حتى قبل ايام يجوب ازقة حارات منطقة السنينة، ذات الغالبية الفقيرة، املا في العثور عليها.
طرق الابواب.. وعرض مبالغ خيالية لقاء شراء هذا المنتج الذي لا تتجاوز قيمته في السوق المحلية الـ20 الف ريال وبما يوازي 25 دولارا.
كان يطمح لجمع اكبر عدد من تلك المكائن المصنعة من قطع الخشب وصفائح المعدن، لكن للأسف، الروايات والقصص المنسوجة بسرعة الرياح افشت سره، وقادت مئات الالاف اليمنيين في مختلف المحافظات لمطاردة الحلم ذاته، ليصبح معها الحلم مجرد كابوس.
يقول سمير بأنه كان قد جمع 10 الآلات، ووعد اصحابها بمبالغ تصل إلى مليون ريال.. لقد تلقى اتصالات من اصدقاء تفيد بان قيمة المكينة الواحدة تصل إلى 7 ملايين ريال يمني، وهو كغيره الالاف يؤمنون بـ”شائعة” تنثر في مدن وارياف اليمن عن اكتشاف مادة مربحة في إحدى قطع المكينة المعدنية.
تتحدث الرواية بوجود مادة الزئبق وأخرى عن الماس وهو ما قاد معظم اليمنيين الذين يعتمدون على هذه الالة كمصدر دخل وحيد في ظل التدهور الاقتصادي وانقطاع المرتبات، للبحث عن الكنز..
المئات وربما الالاف وضعوا توا قطع من الذهب على محور المكينة الاسفل في محاولة لمعرفة ما اذا كانت ستلتصق أم لا. البعض صادفه الحظ، واخرين تعرضوا لنكسة.. هذا الدليل الجديد عزز ايمان الناس بـ”القصة” ودفع طموحهم إلى اقصى حدوده..
ثمة من كان قد باع ماكينته فعليا بمليون ريال ليقرر استردادها لأن سعرها المتوقع اكثر بكثير. ثمة حراك يمني جعل من هذه الماكينة “اسطورة” لم يكتشفها حتى مصنعها الصيني وهو يقوم بتركيب الالة قطعة- قطعة..
لا احد يأبه الان بما اذا كان الصينيون لم يعرفوا من ماذا صنعت التهم، ولا احد ينظر لعشرات الالاف من هذه المكائن معروضة في محلات البيع في صنعاء والمدن الأخرى، الكل منهمك في ملاحقة هذا الحلم الذ طال انتظاره، والكل منغمس في البحث بين مقتنياته القديمة بحثا عنها..
في محلات الفسيل بصنعاء، كبرى محلات بيع مكائن الخياطة، يتقاطر العديد من المواطنين لشراء هذه الالة حتى ان معظم محلات بيعه كما يقول العاملين فيها عانت من نقص في مخزونه من المكائن وتحديد “ابو اسد”، لكن سرعان ما عادت جميع المبيعات لسبب بسيط ” انها لا تلتصق بالذهب”..
هذه الخطوة اثارت حيرة الكثير من اصحاب محلات بيع المكائن، فلا سبب علمي يفسر التقاط اجزء من المكينة لقطع الذهب، ولا تفسير بالنسبة لمحمد الدبعي، صاحب محل لإصلاح مكائن الخياطة في شارع هائل، سوى أن بعض المكائن خصوصا القديمة منها قد يكون دوران عجلاتها باستمرار مع الزيت الخاص بها قد ولد نوع من المجال المغناطسي اللاقط للذهب، لكن ذلك لا يعني شيء ولا قيمة له، وهذا الاستنتاج يعزز ما توصل اليه الكوكباني الذي يهم حاليا بإعادة المكائن بحوزته لإصحابها بعد أن اكتشف بأن ما اشيع حول قيمة المكائن “مجرد خدعة سمجة لا اكثر” شأنه شأن العديد من الشائعات التي احدثت حراكا سابقا في المجتمع اليمني كـ”الفوانيس” و “طباخات الكرواسين”.
رغم تعدد الشائعات في المجتمع اليمني على مدى العقود الماضية، الا أن تفاعل الناس لا يزال ايجابيا معها بغض النظر عن انعكاساتها السلبية التي قد تكلف الكثير من المال احيانا.. هذا لا يعكس الجهل الذي لايزال منتشر في معظم المناطق اليمنية بقدر ما يوحي برغبة الناس للتغلب على الوضع الاقتصادي المتدهور حاليا بفعل الحرب المستمرة لأكثر من نصف عقد، والمؤشرات الحالية على مزيد من التفاقم المعيشي في ظل تقارير اقتصادية تحدثت عن انهيار محتمل للعملة المحلية وتقارير اممية عن اتساع رقعة الفقر..