التطبيع: المراحل، وتحديات المواجهة:
التحدي الأكبر أمامنا هو أن التطبيع يتسلل إلينا عبر قنوات شديدة الخبث و بشكل ناعم عبر ترويج بعض مصطلحات يقبلها المزاج الشعبي دون ادراك مخاطرها وما تؤول إليه على سبيل المثال "الحرب بديلا للمقاومة" أثناء اعتداءات المحتل، ثم وضع المصطلح في جملة استنكارية؛ (هل سنحارب حتى هلاك آخر جندي ؟!) ،وكانت هذه الجملة هي الأكثر شيوعا في اذهان العامة إبان حرب تشرين ٧٣ ١٩م لبث روح الثقافة الانهزامية مستهدفين بذلك كسر الإرادة الشعبية التي نرتكز عليها في مواجهة الكيان الصهيوني .

كل ذلك كان مقدمة لدخول النظام الرسمي العربي أول مراحل التطبيع العلني مع العدو، والذي انتهى باتفاقية العار "كامب ديفيد"، وما تلاها من وادي عربة وأوسلو ...الخ
نتيجة انحراف مفهوم الأمن القومي العربي الذي أدى بالفعل إلى تسارع نسق التطبيع.

ثم أخذ التطبيع مرحلة جديدة تتلخص في قبول هذا الكيان عبر محاولات عديدة منها ترسيخ ما يسمى بثقافة القبول بالأمر الواقع
وهذه مرحلة متقدمة جدًا في عملية التطبيع وخطورته، وعملت الأنظمة الوظيفية التي ارتهنت وجودها ببقاء الاحتلال على خدمة تلك النظرية المسمومة حتى تسللت إلى العقل العربي، والذي غاب عنه الوعي بمصيرة وأولوياته المستقبلية بفعل التجريف والتسطيح الممنهج.


تحديات في مواجهة التطبيع :

أ- إن تعزيز الأفكار الرجعية، والمذهبية عبر خلق تنظيمات لها ورعايتها، والعمل على ترويج افكارها، وتوسيع دورها في مجتمعاتنا، ودعمها بكافة السبل من قبل العدو وأدواته والتي على رأسها أنظمة حكم عربية وظيفية لهو أكبر تحد لان مثل هذه الأفكار يقع العقل العربي أثيرًا لها بفعل التجريف المتعمد لعقود طويلة
حيث تغلب مثل هذه الأفكار أولوية الصراع المذهبي على مواجهة العدو والتصدي حتى لمحاولات التطبيع

ب- شيطنة المقاومة بكافة اشكالها وصورها من خلال الأدوات الإعلامية الضخمة التي يمتلكها العدو عالميًا وحتى عربيًا، وحظر أي نشاط إعلامي وثقافي للحركة النضالية العربية عبر الإعلام الكلاسيكي (الفضائيات )
أو حتى عبر الميديا الجديدة (السوشيال ميديا )

ج - الغالبية من مثقفينا غير متحررين من التبعية والنفعية والأغراض المريضة ومن كل خلل في سلم المعرفة والأولويات والقيم الخلقية الإنسانية السليمة
التحدي هنا هو الصمود أمام الإغراءات المالية والعالمية وأمام اغراء المكاسب وجوائز التلميع والتي تقدمها الجهات الإمبريالية والصهيونية

د- ترهل بنية التنظيمات القومية والوطنية مما اضعف مواجهة انصار التطبيع وفضحهم حفاظا على جسد الأمة المقاوم

هـ - مراجعة وتدقيق وتغيير أسلوب الخطاب الثقافي العربي ليكون موضوعيًا وعلميًا عصريًا ليتصل بالحياة في واقعها من جهة ويخاطب مستقبلها من جهة أخرى.
إن مواجهة التحديات السابقة تؤدي إلى تحجيم مسيرة الاعتراف بالعدو الصهيوني والتطبيع، بالإضافة إلى تفعيل المقاطعة بأشكالها المختلفة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعلمية
ثم الانتقال إلى المرحلة التالية بتكوين جبهة قوية من المثقفين العرب والمناضلين من كل الساحات العربية لتعزيز حملات المقاطعة ومقاومة التطبيع.
وفي كل تلك المراحل علينا مواجهة الاستبداد الداخلي، وأن نتحمل جزاء تلك المواجهة من صعوبات وتضحيات.

وبالرغم من حزمة التحديات التي نواجهها، واختلال موازين القوى في غير صالحنا في هذا السياق الزمني الا أن محاولات الرفض الشعبي تتنامى عند كل أزمة أو مناسبة يخرج فيها التطبيع إلى العلن في أي بقعة عربية وعند كل صحوة ثورية كما رأينا بأعيننا في ميادين الحرية .
مازال الضمير الشعبي العربي حيا يرسم الأمل أمامنا فالجماهير هي القوة الحقيقية والمرتكز الجوهري في الدفاع عن حقها في البقاء عبر التاريخ .

محمود الشربيني -(مصر)- أكاديمي
عضو المؤتمر القومي العربي.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.