تتجه أنظار عشاق الفن السابع الأحد المقبل إلى مهرجان دبي السينمائي الذي يفتتح دورته التاسعة وسط أجواء سياسية عاصفة في المنطقة. وكالعادة لن يكون المهرجان بمنأى عن الأحداث التي تدور من حوله في دول «الربيع العربي»... أو على الأقل هذا ما يشي به القرار «الجريء» الذي اتخذته الإدارة بإقصاء 3 أفلام سورية من البرنامج، تحمل تواقيع سينمائيين مقربين من النظام («مريم» لباسل الخطيب، و «صديقي الأخير» لجود سعيد، و «العاشق» لعبداللطيف عبدالحميد)، «تحت وطأة الدم السوري النازف والقتل المتواصل والتدمير الشامل» تبعاً لبيان أصدره المهرجان قبل أيام... كما تشي به مجموعة من الأفلام العربية المختارة لتلائم تطلعات الإنسان وإرهاصاته في دول خُدّرت شعوبها لسنوات، قبل أن تستفيق أخيراً في ثورات عارمة، كان لها وقع الصدمة.
 
ولعل مسابقة «المهر العربي للأفلام الوثائقية» الأكثر مقاربة لهذا الواقع، بمضامين أفلامها التي تدنو من مواضيع تقارب دور المرأة في الثورات. وهنا يبرز فيلم «الصرخة» للمخرجة اليمنية خديجة السلامي التي تسلط الضوء على دور النساء اليمنيات في ثورة بلادهنّ على رغم أن صوتهن يعتبر «عورة». في حين ترصد المخرجة التونسية هند بو جمعة من خلال فيلم «يا من عاش» التحولات بين زمنين: زمن زين العابدين بن علي وزمن حزب «النهضة»، لتصل الى خلاصة أن ما من شيء تغير.
 
الثورة أيضاً تشكّل محور فيلم المخرج السوري نضال حسن «حكايات حقيقية عن الحب والحياة والموت وأحياناً الثورة»، من خلال سير نساء سوريات اجتمعنّ على صرخة واحدة: «هي ثورة»!
 
اجتياح عربي
 لكنّ الثورة ليست كل شيء في المهرجان، بل تشكل جزءاً بسيطاً من برنامج كبير يتضمّن 161 فيلماً روائياً طويلاً وقصيراً ووثائقياً، من 61 دولة، تتحدّث 43 لغة في 52 عرضاً عالمياً أوّل، منها 60 فيلماً عربياً. فيما يتنافس في هذه الدورة 80 فيلماً، تسعى لنيل جوائز يصل مجموعها إلى 575 ألف دولار، مُوزّعة على مسابقات «المهر» الثلاث: «المهر الإماراتي»، و «المهر العربي»، و«المهر الآسيوي الأفريقي»... من دون أن ننسى جائزة «المخرجين الخليجيين للأفلام الروائية الطويلة» (تترأس لجنة تحكيم هذه المسابقة الممثلة كيت بلانشيت) التي يقدمها مصنّع الساعات الرسمي للمهرجان IWC Schaffhausen، والتي تتمثل بمئة ألف دولار ستكون من نصيب واحد من الأفلام الآتية: «كل شي ماكو» للمخرجة ميسون الباجه جي، «الشجرة النائمة» للمخرج محمد راشد بوعلي، «بنات فاهمة» للمخرج عبدالله الكعبي، و«من أ إلى ب» للمخرج علي مصطفى.
 
وبكلام الأرقام لا يمكن إلا الحديث عن اجتياح عربي للبرنامج، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول وجهة المهرجان في السنوات القليلة المقبلة. فبعدما كان «دبي» في الدورات الماضية حريصاً على شعار «ملتقى الثقافات والإبداعات»، هل يتخلى عن هذا الدور ليحمل راية السينما العربية قبل أي شيء آخر؟
 
هذا ما يمكن أن نستشفه من كلام رئيس المهرجان عبدالحميد جمعة، إذ قال في أحد البيانات: «نجح مهرجان دبي السينمائي الدولي خلال السنوات التسع الماضية في ترسيخ مكانته على الساحة السينمائية محلياً وإقليمياً ودولياً، وهذا العام سيعرض مجموعة من أقوى الأفلام منذ نشأته. وقد خصّص نصف مساحة برامجه لعرض إبداعات السينما العربية من أفلام روائية طويلة وقصيرة وأفلام وثائقية. وإذ نفخر بأن نقدم إرثنا السينمائي العربي، كوننا مهرجاناً عربياً بامتياز، لكننا في الوقت ذاته مستمرون في تقوية الحوار بين الثقافات».
 
وواضح أن تعزيز الحضور العربي في هذه الدورة، لم يكن صدفة، بل هو منهج قد تتبلور معالمه أكثر فأكثر في المستقبل، ما من شأنه أن يساهم في دفع السينما العربية إلى أمام. ولعل في هذا التوقيت ما يحمل كل سبل النجاح. فإذا كان الفشل بانتظار خطوة كهذه لو حُققت عام 2004 يوم تأسس المهرجان الأول في الخليج نظراً لشحّ الأفلام العربية، فإن النجاح سيكون لها اليوم بالمرصاد، بعدما ساهم مهرجان دبي خلال السنوات التسع الماضية في دعم السينما العربية، وتحفيز المهرجانات الخليجية الأخرى للسير على خطاه.
 
وليس المثال الأسطع إلا إنشائه عام 2009 صندوق «إنجاز» الخاص بدعم المشاريع السينمائية خلال مرحلة ما بعد الإنتاج، وحرصه على تعزيز دوره (يُعرض في المهرجان 8 أعمال استفادت من دعم «إنجاز» من دورة العام الحالي، وتسعة من دورتي 2010 و 2011، منها «قصة ثواني» و«مشوار» و«يمّا» و«متسللون»، كما اختار الصندوق هذا العام 13 عملاً سينمائياً عربياً جديداً) بما يخدم صنّاع السينما العربية، بعدما قدّم الدعم المالي لنحو 40 فيلماً خلال 4 سنوات، جال بعضها على مهرجانات العالم.
 
ويضاف إلى هذا «سوق دبي السينمائي» الذي تأسس عام 2005 وقدم الدعم لأكثر من 170 فيلماً. أما السينما الخليجية فحاضرة، إن في مسابقتي «المهر» العربي والإماراتي أو في برنامج «أصوات خليجية» الذي يتضمن خمسة أفلام قصيرة، وفيلماً روائياً طويلاً، تتوزع بين السعودية والبحرين وسلطنة عمان.
 
 مهرجان المهرجانات
 وإذا كانت السينما العربية حاضرة بقوة مع أفلام مثل «وجدة» للمخرجة السعودية هيفا المنصور التي استـــُقبلت بحـــفاوة كــبيرة أثناء عرض فيلمها في مهرجان فينيـــسيا، أو «الشتا اللي فات» للمصري إبراهيم بطوط الذي كان له الترحاب ذاته في المهرجان الإيطالي، أو «يمّا» للمخرجة الجزائرية جميلة الصحراوي التي حصدت تصفيق جمهور مهرجان «كان» حيث عرض الفيلم للمرة الأولى، فإن حضور الأفلام الأجنبية لا يقلّ قوة، حتى وإن كانت الـــشرائط المعروضة في دبي أُشبعت عرضاً في المهرجانات... إلى درجة يمكن القول معها إن المهرجان الإماراتي يكاد أن يتحول إلى «مهرجان المهرجانات» لاستعادته مع نهاية كل عام بعض أبرز ما عرض طوال السنة من أفلام، سواء كانت عربية أو أجنبية.
 
وهنا تطل تحفة ميكائيل هانيكي «حب» الذي خطف السعفة الذهبية في مهرجان «كان»، كما يطلّ فيلم «بييتا» للمخرج الكوري كيم كي دوك الذي كانت من نصيبه جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا. وبهذا سيكون جمهور المهرجان الإماراتي على موعد مع الفيلمين الأبرز لهذا العام بعدما كان لجمهور مهرجان «تورونتو» الكندي فرصة مشاهدة الشريطين جنباً إلى جنب. ومثلما نفذت بطاقات هذين الفيلمين سريعاً في تورونتو، واضح أن سمعتهما سبقتهما أيضاً إلى دبي، ومنذ الآن يفيدنا الموقع الإلكتروني للمهرجان أن فيلم «حب» نفذت بطاقات عرضه الثاني.
 
وطبعاً لن تخيب آمال هواة الفن السابع، الساعين لحضور الفيلمين معاً، إذ يقدمان، كل على طريقته، حبكة إنسانية بالغة القسوة. ففي حين يقدم الأول ترجمة شاعرية تخلو من أي عنف لمقولة «ومن الحب ما قتل»، يسبر الثاني أغوار النفس البشرية بالاتكاء على عنف قد يبدو مبالغاً فيه.
 
وليس هذان الفيلمان، الوحيدين اللذين ينتظرهما بترقب جمهور المهرجان الإماراتي، بل نقرأ قبل أيام من بدء المهرجان على موقعه الرسمي أسفل الإعلان عن فيلم «صدأ وعظم» للمخرج جاك أوديار والممثلة ماريون كوتيار: «نأسف لنفاذ الكميات لهذا العرض». والعبارة ذاتها تتكرر عند الحديث عن فيلم «هيتشكوك» من إخراج ساشا جيرفاسي وبطولة أنطوني هوبكنز وهيلين ميرين أو فيلم «حياة باي» للمخرج أنغ لي عن رواية الكاتب سان مارتيل - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة-.
 
ولن يقف اهتمام الجمهور في دبي عند هذا الحدّ، بل ستثيره أفلام أخرى، مثل «أنا وأنت» للمخرج الإيطالي بيرناردو بيرتولوشي أو «المعلم» للمخرج الأميركي بول توماس أندرسون أو «رباعي» لداستان هوفمان في تجربته الإخراجية الأولى... من دون أن ننسى أفلاماً جماهيرية مثل «سيرك دو سوليه: عوالم بعيدة» للمخرج آدم أندرسون و «غيمة أطلس» لصاحبي «ماتريكس» الأخوين أندي ولانا واشوفسكي مع مجموعة من النجوم مثل توم هانكس وهالي بيري وسوزان سارندون.
 
إذاً، في انتظار جمهور دبي، بدءاً من يوم الأحد، ثمانية أيام دسمة تعجّ بالأفلام السينمائية، كما في انتظاره نشاطات موازية وندوات وتكريمات، أبرزها تكريم الممثل المصري محمود عبد العزيز والمخرج البريطاني مايكل ابتد بمنحهما جائزة «إنجاز العمر»... من دون أن ننسى الأمسية الخيرية السنوية التي تقام لمصلحة مؤسستي «دبي العطاء» و «أوكسفام» الخيريتين بعنوان «ليلة واحدة تغيّر حياة الناس»، وبحضور النجم كولين فيرث (جمعت العام الماضي مليون دولار لتمويل 14 مدرسة إقليمياً و10 مدارس في باكستان).
 
أمام هذا كله، يبدو مهرجان دبي بعيداً من العواصف التي هبّت على مهرجاني أبو ظبي والدوحة وما رافقها من خفض في الإنفاق وتخبطات إدارية مع استبدال الإدارة الأجنبية بأخرى عربية (الإماراتي علي الجابري بدلاً من الأميركي بيتر سكارليت في أبو ظبي والقطري عبد العزيز الخاطر بدلاً من الأسترالية أماندا بالمر في الدوحة)... هو الذي كان له نصيب منها في سنوات سابقة: إدارياً حين صال وجال مديره التنفيذي السابق نيل ستيفنسون بين العواصم العربية شاتماً المهرجان، مدعياً «حقوقاً مهدورة» بعد استبعاده من منصبه، وإنفاقاً إبان الأزمة المالية العالمية التي لم يسلم منها المهرجان إلا بشق بالأنفس.
 
الآن، تبدو هذه العواصف مجرد ذكريات من الماضي، فهل ستشهد الأيام الثمانية ما يلبدها أم أن جهود أهل المهرجان ستؤتي ثمارها؟
 
«صدمة» زياد دويري... ضربة معلّم
 كثرت الأقاويل حول استبعاد فيلم «الصدمة» للمخرج اللبناني زياد دويري من مهرجان «الدوحة- تريبيكا». بعضهم عزا الأمر إلى تجسيد ممثلة إسرائيلية دور امرأة عربية. وآخرون ذهبوا إلى القول أنّ في الفيلم ما اعتبر «إساءة» إلى قطر. فيما حصر آخرون الخطوة بالتغيرات الإدارية التي طرأت على المهرجان هذا العام.
 
ولكن، أياً كانت الأسباب، ما من شك في أن المهرجان القطري خسر واحداً من أبرز الأفلام التي كان بالإمكان أن يقدمها في دورته المنصرمة. من هنا يأتي عرض فيلم زياد دويري المأخوذ عن رواية للجزائري ياسمينة خضرا في دبي أشبه بـ «ضربة معلّم». ومنذ الآن، نتوقع ألا يمرّ بهدوء، خصوصاً أنه من طينة تلك الأفلام الشائكة التي تثير من حولها النقاش.
 
فإذا كنا شهدنا التصفيق الحارّ الذي لاقاه الفيلم أثناء عرضه العالمي الأول في تورونتو من جمهور المهرجان الكندي، فإن الامتحان الرئيسي الذي سيواجهه هو إبان عرضه الأول خلال الأيام المقبلة على جمهور عربي... نقول هذا، انطلاقاً من كون «الصدمة» بعيداً كل البعد من أفلام القبضات المرفوعة التي تعجّ بها السينما المحققة عن فلسطين... فيلم قد يبدو بالنسبة إلى بعضهم مبهماً، طالما أنه لا يقدم الطيب والشرير من دون أي لبس، بل يضع مشاهده أمام أسئلة مفتوحة من خلال قصة إنسانية متماسكة، مصقولة بدقة، يقول فيها دويري الكثير من دون أن يقع في فخ الخطاب المباشر.
 
تدور الأحداث حول الجراح الفلسطيني «أمين الجعفري» (علي سليمان) الذي يعيش أفضل أيامه في البيت والعمل. علاقته بزوجته الجميلة أفضل ما يكون. وتقديره في مركز عمله مكّنه من الحصول على جائزة تُمنح للمرة الأولى لعربي في المجتمع الإسرائيلي. ولكن، كما هو متوقع، لن تدوم هذه السعادة طويلاً، بل، سينهار كل شيء بين ليلة وضحاها. زوجته التي ظنّ أنه يعرفها جيداً، سرعان ما يكتشف أنها غريبة عنه، وعمله الذي بناه بإتقان، سرعان ما سينهار أمام عينيه. يحدث هذا كله، حين تحوم الشبهات حول زوجته بتنفيذ عملية استشهادية راح ضحيتها 17 قتيلاً في مطعم، جلّهم من الأطفال. طبعاً، لن يصدق بطلنا أن المرأة الجميلة الناعمة التي كانت إلى جواره قادرة على فعل كهذا، ولهذا يحارب الجميع لإثبات براءتها، ولكن حين يكتشف رسالة منها تعترف له بفعلتها، لا يعود هناك أساس للشك، ويصبح شغل «أمين» الشاغل إيجاد إجابة عن السؤال: لماذا؟
 
سؤال يقوده إلى نابلس، ولكن كلما بدا أنه يقترب من الحقيقة، نكتشف أنه بعيد منها بأشواط. فمن الأصولية الإسلامية إلى الأصولية المسيحية (خصوصاً أن الزوجة مسيحية والزوج مسلم) يحتار «أمين»، إلى أن يفهم في النهاية، كيف استطاعت مجزرة مثل جنين ذهب ضحيتها عشرات الأطفال الفلسطينيين أن تجعل من زوجته «مجرمة» في نظر المجتمع الإسرائيلي حيث تعيش، وبطلة في نظر أبناء شعبها في الأراضي الفلسطينية حيث تعلّق صورها على الجدران.
 
هنا، يرتاح بطلنا ويعود إلى دياره... ولكن ليس كما خرج منها.
المصدر: صحيفة الحياة

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.