إذا كان طفلك يعاني هوسا للقيام بنشاط روتيني معين، فهل هنالك ما يدعو للقلق؟ يؤكد علماء النفس أن الأمر يعتمد على السبب الذي يدفع الطفل إلى القيام بهذا النشاط الروتيني ومدى تكراره، إذ أن الأمر لا يدعو الى القلق حين لا يتعارض الأمر مع وتيرة حياة الطفل اليومية وعلاقته بمحيطه الاجتماعي.
ويرى د. آلان غرينييه وهو طبيب أطفال أميركي ومؤلف لسلسة كتب تعنى بالصحة النفسية والجسدية للطفل، أن بعض الصغار يفضلون الالتزام ببرامج روتينية وطقوس حركية معينة تشعرهم بالرضا؛ مثل تخصيص صباح كل جمعة لمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة أو تناول البيتزا المخبوزة في المنزل كل يوم إثنين…وهكذا.
كما أن العديد منهم يجد نوعاً من المتعة في القيام بطقوس روتينية خاصة بهم تشعرهم بالتميز بين أقرانهم مثل وضع فرشاة الأسنان في مكان ووضعية معينة بعد تنظيف أسنانهم كل يوم، في حين يفضل البعض ترتيب متعلقاتهم الشخصية أو ألعابهم على نحو معين وبتصنيف متشابه في كل مرة.
يقول د. غرينييه: "بعض الطقوس الروتينية التي يتبناها الصغار هي جزء من الخيال الذي يشكل عالمهم ويؤثر فيه، وهي إحدى الوسائل التي تشعر الطفل بالثقة والتميز وبأنه الشخص المتحكم في عالمه الصغير والمسيطر عليه"، مؤكدا على أن الطفل إذا كان مستمتعاً بأداء هذه الطقوس فلا داعي للقلق أبداً شرط ألّا تتعارض مع متطلبات حياته اليومية وألّا يتم تكرارها بصورة مبالغ فيها.
من ناحية أخرى فإن بعض الأطفال الذين يعانون من نوبات القلق أو التوتر العصبي إذا فشلوا في تنفيذ بعض هذه النشاطات أو الذين يشعرون بأنهم مضطرون للقيام بها لمنع وقوع أمر سيء وليس بغرض المتعة والتسلية، قد يكونون يعانون من أعراض ما يسمى بمرض"الوسواس القهري أو القسري"؛ وهو اضطراب نفسي يمكن أن يصيب الإنسان في سن الطفولة المتقدمة، حيث يشعر الطفل برغبة جامحة في القيام بأفعال حركية أو ذهنية معينة ويحاول مقاومتها من دون جدوى؛ مثل تكرار غسل يديه بالصابون، لمس أشياء معينة في أوقات محددة وربما تجنب الخطو على الشقوق في الأرصفة.
كما يعاني الطفل المصاب من شعور مستمر بالقلق إذا كانت الأشياء في محيطه ليست منظمة تماماً أو ليست في مكانها المناسب حيث يسعى مراراً إلى إرجاع الأمور إلى نصابها ما يستغرق ساعات من وقته وجهده من دون جدوى. ويرى علماء النفس أن الوسواس القهري يمكن أن يبدأ في أي سن بداية من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى سن النضج، ويوصف بأنه شعور دائم غير سار بالعبء أو المسؤولية.
لا يوجد سبب واحد محدد لمرض الوسواس القهري، إلا أن بعض الأبحاث الطبية تشير إلى أن سبب المرض يتعلق بوجود مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ "المسؤول عن الإحساس بالخوف والخطر" والتركيبات الأكثر عمقًا للدماغ "العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء علي البدء والتوقف عن التفكير". وتستخدم هذه التركيبات الدماغية الناقل العصبي الكيميائي" سيروتونين "، حيث يُعتقد أن مرض الوسواس القهري يرتبط بنقص في مستوى السيروتونين. كما لا يستبعد علماء النفس وجود مسببات نفسية واجتماعية على خلفية هذا المرض.
ويؤكد د. آلان غرينييه على ضرورة قيام الأهل بترتيبات معينة إذا لمسوا بعض أعراض هذا المرض لدى أطفالهم مع ضرورة إخضاعهم للاستشارة النفسية بصورة مبكرة، حيث أثبت أن العلاج الناجع لهذا المرض يعززه التشخيص المبكر.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.