للكثير منا هواتف ذكية، لكن لا يعرف خفاياها إلا القلة. وتجني شركات إنتاج الهواتف أموالاً طائلة، ولا يكسب منها عُمالها البسطاء إلا الأجر القليل، لكن أحد المستثمرين في هولندا يريد تغيير ذلك.
ماركوس لوتيتسكي
برلين - ما علاقة الحرب الأهلية في الكونغو في أفريقيا بهواتفنا المحمولة؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن معرفتها من خلال المطوِّرين لهاتف "يراعي العدل والإنصاف" واسمه بالانكليزية FairPhone "فيرفون". فهؤلاء يعملون في هولندا على تصنيع هاتف ذكي: لا تكون مواصفاته التقنية هي أبرز ما يميزه فقط، بل وتكون طريقة إنتاجه ونوعية المواد المكوِّنة له هي أهم ما يتسم به كذلك.
وتتلخص فكرة مطوري هذا الهاتف في إنتاج هاتف في ظروف تراعي كرامة الإنسان العامل في مجال استخراج المواد الخام، التي تدخل في صناعته، واستخراجها بطريقة رفيقة بالبيئة أيضاَ. ويتطلب إنتاج أي هاتف جوال عدداً كبيراً من العناصر الأرضية النادرة والمواد الخام الأخرى، التي أصبحت تُعرَف مؤخراً باسم: معادن "مناطق الصراع"، وذلك لأنها تُستَخرَج من مناطق تسود فيها الحروب الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل يومي. وفي الكونغو تُستَخرَج معادن خام كثيرة تحت ظروف عمل وأجور سيئة، يعمل فيها حتى الأطفال.
وتستفيد من بيعها ومن عائداتها المالية غالباً جماعات مسلحة تشتري بأرباحها أسلحة قتالية وتعزز بها مخزوناتها من الذخيرة. علماً بأن أكبر مزوِّد للمعادن الأرضية النادرة في العالم هي الصين. وتكمن المشكلة في الصين في استخراج المعادن الأرضية باستخدام أحماض تجلب المعادن معها من ثقوب يتم حفرها في الأرض، ويَنتُج عنها مواد طينية سامة ملوثة للبيئة. وينجم ذلك عن تصحّر الأراضي الزراعية وتلوث القرى الريفية.
يقول منتجو الهواتف الجوّالة إنهم لا يعرفون إلا بصعوبة مصادر المواد الخام التي يتم تزويدهم بها ليصنعوا بها أجهزتهم، وذلك بسبب العدد الهائل للمزوِّدين والوُسطاء الضالعين بهذه التجارة. لكن يوهنّا كوش، عضوة المنظمة الألمانية للمراقبة، ترى بوضوح من خلال بحوثها التي أجرتها بنفسها، أن المسؤولية تقع على عاتق منتجي الهواتف الجوالة.
وتقول في هذا السياق "الزعم القائل بأن الشركات المنتجة للهواتف ليس بوسعها تتبّع مصادر المواد الخامّ هو زعم مردود على قائليه"، مضيفة "العديد من الدراسات أظهرت إمكانية تتبّع المواد الخام حتى مصادرها الأولية في المناجم الأرضية".
وترى يوهنّا كوش أن على شركات الإنتاج استخدام قوتها في الأسواق لتكون أكثر عدلاً وإنصافاً للعمال والبيئة. وهذا تماماً ما يقوم به المستثمر الهولندي باس فان أبِل، الذي يعمل مع فريقه في تطوير الهاتف الذكي "المراعي للعدالة والإنصاف" فيرفون، الذي يقوم إنتاجه على أخذ مصادر المواد الخام وظروف العمال بعين الاعتبار.
ومن المقرر أن يتم إطلاق هواتف فيرفون الذكية الجديدة في خريف العام الجاري. ويقول المستثمر الهولندي باس فان أبِل إن هواتف فيرفون "ستقدِّم للزبائن بديلاً عن الهواتف الموجود في السوق بشكل تنافسي سيقوم بإلهام كل الشركات المنخرطة في هذا القطاع الصناعي للتصرف بإيجابية". ويتمنى أن تؤدي زيادة الطلب على هذه الهواتف إلى الضغط على الأسواق وشركات الإنتاج "لتكون أكثر عدلاً وإنصافاً".
وإلى الآن توجد شركة اتصالات تقدمت بطلب شراء هواتف فيرفون، وهي شركة KPNالهولندية. وطلبُها، الذي يُعتبَر غير رسمي بعد، يشمل شراء أجهزة من هذا النوع بقيمة تبلغ 300 ألف يورو. كما توجد شركة اتصالات ألمانية أخرى تنوي شراء عدد من هذه الأجهزة بناء على طلب زبائنها.
ويعوّل فان أبِل على أن يتم إنتاج هاتفة الذكي في الصين أيضاً، ويطمح بذلك إلى زيادة أجور العمال الصينيين الذين سيعملون معه بنسبة 50 في المائة، وذلك من خلال زيادة تكاليف دفع أجور العمال: من واحد في المائة إلى اثنين في المائة، خاصة وأن العمال في الصين، العاملين في إنتاج أجهزة آي فون مثلاً، لا يتقاضون الكثير من الأجر. وبذلك يسعى هذا المستثمر لأن يكون جهازه الذكي هو الجهاز الأكثر عدلاً وإنصافاً في أسواق الهواتف المحمولة.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.