قالت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ان ما اطلق عليها بدول الربيع العربي تعيش ظروفا قاسيا بعد ان توالت اخفاقاتها في القضايا التي قامن من اجلها الثورات الشعبية.

واكدت الشبكة ان للفرد الحق في الحرية والكرامة والاستقلال والاستقرار، وانها مسألة غير قابلة للمزايدة أو التنازل.

وفي بيان لها حول التطورات الاخيرة التي تجري في المنطقة العربية قالت الشبكة ان " ان الحالة اليمنية قد توقف زخمها، وعادت الى محاولة ترميم مؤسساتها الضعيفة دون أن تتمكن من تحقيق تقدم كبير في بناء دولة وطنية وحديثة وديمقرطية " .

واضافت: " أن ما يجري في عديد الدول العربية قد أسهمت عوامل عديدة في دفعه نحو مآزق إضافية كان بالإمكان تجاوزها لو اتضحت الرؤية وصدق العزم وتم التمسك بأوليات الحراك الاجتماعي والأهداف الوطنية العليا ".
نورد فيما يلي نــــص البيــــــــان:

 تعيش ما أطلق عليها بدول الربيع العربي ظروفا قاسية، وذلك بعد أن توالت إخفاقاتها في أهم القضايا التي قامت من أجلها الثورات والانتفاضات الشعبية، وفي مقدمتها قضايا العدالة الاجتماعية والحريات العامة وحماية الأمن.

وإذ تدرك "شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية" أن مراحل الانتقال السياسي في كل الدول التي مرت بحالات نزاع أهلي أو ثورات شعبية كانت دائماً تتسم بالصعوبة والتعقيد، الا أن ما يجري في عديد الدول العربية قد أسهمت عوامل عديدة في دفعه نحو مآزق إضافية كان بالإمكان تجاوزها لو اتضحت الرؤية وصدق العزم وتم التمسك بأوليات الحراك الاجتماعي والأهداف الوطنية العليا.

تقف مصر اليوم على حافة الحرب الأهلية، وذلك بعد تجدد الصراع بين جماعة الاخوان المسلمين وحلفائها وبين جزء واسع من مكونات الشعب المصري بما في ذلك الجيش والبوليس ومشيخة الازهر الشريف والكنيسة والمؤسسة القضائية. هذه القوى التي تجمعت يوم 30 يونيو تاريخ عزل الرئيس محمد مرسي على إثر خروج ملايين المصريين في حشد غير مسبوق، مطالبين بالتغيير. ومن يومها ومصر تعيش مواجهة بين الطرفين، مخلفة أعدادا متزايدة من القتلى والجرحى والمعتقلين. لقد عادت مصر الى واجهة الأحداث العالمية، ليس لكونها تجربة رائدة تحتاج الى الدعم لاستكمال بناء نظامها الديمقراطي، ولكن بسبب الأزمة الخانقة التي أصبحت تهدد السلم الأهلي، والتي قد تجعل من أكبر دولة عربية دولة مأزومة أو معرضة للانهيار. 

 أما تونس، التي تتوفر فيها عديد الشروط الحيوية لإتمام مرحلتها الانتقالية بأقل كلفة، تواجه أزمة سياسية يمكن أن تؤدي بها الى منزلقات غير مأمونة العواقب. لقد أخذ الإرهاب يعشش في صلب هذا البلد المعروف بشعبه المتسامح، حيث سقط قيادي آخر للجبهة الشعبية هو محمد البراهمي بعد ستة أشهر من اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد. كما تمكن تنظيم القاعدة من حصد أرواح ثمانية من الجنود التونسيين في منطقة جبال الشعانبي بعد أن تم ذبح إثنين منهم. وبذلك تجذّر الانقسام بين حركة النهضة الحاكمة ومعظم القوى السياسية التي رفعت من سقف مطالبها بالدعوة الى إيقاف المسار الانتقالي الحالي وذلك بحل المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.

 أما في ليبيا فالوضع لا يزال مفتوحا على مخاطر عدة، وذلك بسبب ضخامة تركة العهد السابق، وعجز الحكومات المتعاقبة على حماية الوحدة الوطنية والإسراع في وضع اللبنات الصلبة لبناء الدولة. وهو ما زاد في إضعاف السلطة المركزية نتيجة عجزها عن فرض سياساتها على الجميع، والاسراع في بناء جيش قوي ومدعوم من قبل الجميع، إضافة الى حالة من التسيب الأمني التي وفرت مناخا ملائما للجماعات المسلحة المختلفة لتعزيز سيطرتها والاستمرار في اغتيال وتصفية من تراه يشكل تهديداً لها .

أما الحالة اليمنية، فقد توقف زخمها، وعادت الى محاولت ترميم مؤسساتها الضعيفة دون أن تتمكن من تحقيق تقدم كبير في بناء دولة وطنية وحديثة وديمقرطية.

  أما الحراك الثوري في البحرين، فلا يزال يتعرض للمحاصرة والتدخل الإقليمي، دون ان يتمكن من تحقيق أي من أهدافه، وذلك نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية. وقد قررت مؤخرا السلطات مصادرة عديد الحقوق من بينها حظر التظاهر رغم كونه يعتبر من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون للتعبير عن السلمي عن ارائهم ، وتفويض البرلمان السلطة التنفيذية باتخاذ ما تراه دون تقييدها باحترام الحقوق والحريات المتفق عليها في المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، ووفق ما ورد في التوصيات الأممية.

وفي سياق هذاا لمشهد العربي المعقد والمؤلم، تواصل الحالة السورية التخبط في ظل معادلة هشة، تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمة ودولية متضاربة في مصالحها وأولوياتها. وبالرغم من ضريبة الدم وانعدام الاستقرار والنسق المرتفع لعدد المهجرين، فإن إرادة المقاومة لدى عدد كبير من السوريين مستمرة لمواجهة عنجهية النظام وحلفائه، الى جانب انقسام المعارضة وانهيار الاقتصاد، وتفكك النسيج الاجتماعي والوطني، وتعدد المؤامرات وحسابات الأطراف الطامعة في سوريا، والحرية على إضعفها وضرب مقومات وحدتها. وقد انعكس ذلك كله على الأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها الوضع اللبناني الذي يتجه تصاعديا نحو التفجير السياسي والأمني.

 في ضوء هذا المشهد العام الذي تعمل أطراف عديدة على المزيد من تأزيمه بهدف تعميق الشعور بالإحباط، ودفع المواطنين العرب في كل مكان الى الكفر بالثورات وشعاراتها وأهدافها العادلة، يهمّ الشبكة التأكيد على ما يلي :

 اولاً : الحق في الحرية والكرامة والاستقلال والاستقرار، مسألة غير قابلة للمزايدة أو التنازل، بحجة الصعوبات والأزمات التي ستنشأ بالضرورة في مراحل الانتقال السياسي.

 ثانياً : إن السعي لتغليب الدوافع الأيديولوجية التي تؤمن بها عديد الحركات العقائدية، قد ساعد كثيراً على السقوط في مطب الانقسام الديني والمذهبي، وأسهم بفعالية في تحويل أولويات المشروع الوطني من سعي الى مراجعة النمط التنموي وبناء أنظمة ديمقراطية وعادلة الى صراع شرس على الهوية والإيمان وتحويل الدين الى سلاح خطير في يد الدولة.

 ثالثاً : المراحل الانتقالية لا يقودها طرف واحد على حساب بقية القوى الاجتماعية والسياسية. إن التوافق أمر ضروري وواجب وطني وأداة ضرورية لتحصين البلاد ضد مختلف أشكال

التدخل والوصاية والتخريب الإقليمي والدولي، وبالخصوص العمل على عزل المجموعات الراديكالية التي تحاول تحقيق أهدافها وأفكارها بكل الوسائل، بما في ذلك اللجوء إلى الارهاب والعمل على تبريره دينيا وسياسيا.

 رابعاً : بناء على ما سبق، فإن قوى المجتمع المدني في العالم العربي مدعوة الى التحرك بأقصى سرعة للمساهمة في إنقاذ تجارب الانتقال السياسي الجارية حاليا في هذه الدول، ومساعدتها على تصحيح مساراتها، والتمسك بمطالب الشعوب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعمل بكل جدية وقوة للحيلولة دون فشل هذه التجارب لأن هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية إذا ما أجهضت، سيكون من الصعب استعادتها لفترة ستطول كثيرا. ، وبالخصوص العمل على عزل المجموعات الراديكالية التي تحاول تحقيق أهدافها وأفكارها بكل الوسائل، بما في ذلك اللجوء إلى الارهاب والعمل على تبريره دينيا وسياسيا.

خامساً: ان الشركاء الدوليين المؤثرين في القرار العالمي لا سيما الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن والاتحاد الاوروبي بالاضافة الى المؤسسات المالية والتجارية الدولية مدعوة وبالحاح الى التمسك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان على أساس أن هذه الاخيرة هي كل لا يتجزأ ولا يجوز تقديم الحقوق السياسية والمدنية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعكس بالعكس إنما هي شاملة ومتماسكة فضلاً عن كونها لكل المواطنين من دون تمييز على أساس النوع أو العرق أو المعتقد أو الدين، وعليه فان الشركاء لدى مقاربتهم الاوضاع المتأزمة في المنطقة عليهم الحفاظ على التناسق في سياساتهم لا بل الانحياز لصالح مشروع بناء الدولة السيدة والمستقلة والمدنية والديمقراطية دولة الحق والقانون والمؤسسات حيث تسود العدالة.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.