قبل ايام كنت اطالع بحثا متميزا لاستاذتي الجامعية الدكتورة الاكاديمية فوزية العطية المتخصصة في علم الاجتماع ، ويتناول البحث العنف ضد المرأة العراقية وتصاعد وتائره بعد الاحتلال، ومن المعروف ان العراق كان مصدر مصدر إشعاع فكري وثقافي في عموم المنطقة، وعرفت المرأة العراقية بثقافتها وصبرها ونضالها،وعرفت بتنظيماتها النسوية منذ عام 1937 وصدور صحيفة نسائية يومية تدعى(ليلى) واصدرتها انذاك الاديبة بولينا حسون ثم اصدرت مريم توما صحيفة(فتاة العرب)، وفي أربعينيات القرن الماضي تأسست جمعيات خيرية ورابطة المرأة العراقية. لقد بدأت المرأة العراقية المشاركة في الحياة العامة، منذ نهاية القرن التاسع عشر، أثناء الحكم العثماني. وافتتحت أول مدرسة في بغداد عام1880 سجلت فيها 90 فتاة. وساهمت المرأة في ثورة العشرين. كما ساهمت المرأة العراقية في مختلف المجالات، وكانت نازك الملائكة، الناقدة ورائدة الشعر العربي الحديث. وفي عام 1974 صدر قانون التعليم المجاني في مختلف المراحل الدراسية. وفي عام 1979 أصبح التعليم إلزاميا للبنين والبنات حتى عمر الثانية عشر. وصدر في عام 1978، قانون الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية، وفي عام 1988، أكد قانون التعليم العالي، إن التعليم العالي حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط الموضوعية. وفي عام 1980، حصلت المرأة العراقية على حقها في التصويت والترشيح، وفازت في العام نفسه 16 امرأة بعضوية المجلس الوطني، وفي عام 1984، فازت 33 امراة بعضوية المجلس الوطني، وهي أعلى نسبة في الوطن العربي منذ وصول النساء إلى البرلمان حينذاك.وينص تقرير النساء والأطفال في العراق، الصادر عن منظمة اليونسيف، عام 1993 بأنه يندر أن تتمتع امرأة في الشرق الأوسط بما تتمتع به المرأة العراقية. ففي مجال العمل صدر قانون رقم 191 عام 1975، يساوي المرأة والرجل بالحقوق والمزايا المالية، إذ تتلقى أجرا مساوياً لأجر الرجل، ودخلها مستقل عن زوجها. وعرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 1993، بأنه أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة، بدنياً أو نفسياً أو جنسياً للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، في الحياة العامة أو الخاصة. والعنف ضد الاستخدام غير الشرعي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والقهر بالآخرين. أما العنف الأسري، فهو العنف الذي يقع في إطار العائلة، ومن قبل احد أفراد العائلة، بما له من سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليها. أما العنف ضد المرأة ، عرفته الوثيقة الصادرة عن ( الجمعية العامة للأمم المتحدة /1993) : أي عنف مرتبط بنوع الجنس، يؤدي على الأرجح إلى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال، والحرمان من الحرية قسراً أو تعسفاً سواء حدث ذلك في مكان عام أو في الحياة الخاصة . ( الجمعية العامة للأمم المتحدة / 1993 / والعنف ضد المرأة، سلوك يوجه ضدها، مبني على الإيذاء الجسدي أو النفسي أو المعنوي لأي سبب من الأسباب، من الاعتداءات اللفظية إلى القتل الفعلي. وتعاني المرأة العراقية من مختلف أنواع العنف، العائلي والاجتماعي، السُباب. ويشمل ذلك أنواع الإيذاء الجسدي والضرب والتحرشات الجنسية والاغتصاب، وكذلك الاعتداءات غير المباشرة، مثل التعنيف والاهانة والإذلال ومحاولات الابتزاز وتشويه السمعة وغيرها. كما أن العودة إلى العشائرية والطائفية، أدى إلى تعرض المرأة العراقية إلى أنواع جديدة من العنف، نتيجة لارتفاع نسبة الأرامل والمطلقات، كما إن إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، أدى إلى تعدد الزوجات، والعزوف عن الزواج، والزواج المؤقت. إضافة إلى القهر الذي يتعرض له في المجتمع، يؤدي إلى مضاعفة العنف الأسري أي ممارسة قهر اكبر على المرأة في الأسرة. كما انتشرت حالات المتسولات والاتجار بالمرأة بسبب انتشار البطالة بين الرجال وتراكم الإحباط لديهم مما يجعل المرأة ضحيةً لتزايد العنف الأسري. فالمرأة تعيل الأسرة وتبقى رئاستها للرجل وتصبح خاضعة للاستلاب والقهر الاقتصادي والنوعي. كما تعاني المرأة بسبب تفشي الفقر وانتشار البطالة بين الرجال، من الحرمان من التعليم وحق اختيار الزوج أو الاعتراض عليه. وخضوع المرأة للعنف يؤدي إلى شعورها بالخوف الشديد والعزلة والانطواء، كما قد تشعر بالذنب، مما يدفعها إلى الإيذاء النفسي أو قد تتولد لديها أفكار انتحارية مصحوبة باكتئاب مرضي حاد يؤدي أحيانا إلى الانتحار. كما تعيش المرأة العراقية خطر التفجيرات والاختطاف والقتل العشوائي أو المنظم وتفكك البنية التحتية وتلوث مياه الشرب بفضلات المجاري والمواد المشعة وقلة الدواء في المستشفيات وتضاعف نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية، وانتشار المخدرات بين الصبيان، والإصابة بأنواع الأمراض السرطانية بتأثير اليورانيوم المنضب، الذي استخدم عامي 1991 و2003، إضافة إلى التهديد بإلغاء الحصة التموينية وصعوبة الحصول على الكهرباء والبنزين وقناني الغاز. إضافةً إلى الانتهاكات لحقوقها في سجون النساء، وقد وثقت هذه الانتهاكات منظمة العفو الدولية التي أصدرت بتاريخ 22/2/2005 تقريراً شاملاً عن وضع المرأة العراقية وأجواء الرعب التي تعيشها يومياً. لذا لابد من مناشدة السلطات الرسمية في الدولة، بهذه المناسبة للعمل على إيقاف هذا العنف ضد المرأة، كما لابد للإعلام ومنظمات المجتمع المدني القيام بحملات نوعية وتثقيف لوقف هذا العنف. كما يتوجب على مديرية شرطة حماية الأسرة، بتوفير الحماية المطلوبة للمرأة للحد من العنف ضدها. هذا ولابد من انجاز التعداد السكاني، للحصول على البيانات المتكاملة للخصائص السكانية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للواقع العراقي، والمرأة العراقية وخاصة في القرى والأرياف. و لا شكّ أنّ العنف الجسميّ والنّفسيّ والجنسيّ ضدّ المرأة منتشر في كلّ أنحاء العالم، تستوي في ذلك البلدان المتقدّمة والبلدان النّامية، ولكنّ ما تختلف فيه المجتمعات والحكومات هو: *. مدى وعيها وتوعيتها بالظّاهرة ومدى فكّها لجدار الصّمت حولها. * . مدى إنشائها للسّياسات والممارسات ومدى سنّها للقوانين التي تحمي النّساء من العنف أو تنتصف للنّساء المعنّفات وتقاضي معنّفيهنّ *. مدى إيجادها للهياكل التي تؤطّر ضحايا العنف، وتعيد إليهم القدرة على الكلام والتّفكير، وتعيد تأهيلهم وتجبر خسائرهم.. ولكنّ المجتمعات تختلف أيضا في نقطة أساسيّة هي مدى إدانتها للعنف أو تبريرها إيّاه باسم مبادئ رمزيّة مستمدّة من الدّين أو من العادات والتّقاليد، كما تختلف في الأشكال الثّقافيّة التي يتّخذها هذا العنف، فالعنف يشتدّ عندما يمارس باسم مبدأ رمزيّ يعتبر أسمى من ممارس العنف ومن ضحيّته معا، وعندما يفرض نفسه على الجميع ( سلامة / 2004 / ص 18 ) أنواع العنف: أولاً: العنف العائلي: ويسمى أيضاً بالعنف الأسري ويدخل ضمن تهديد حرية الإنسان وكرامته وبالتالي حقوقه كإنسان، وأشارت المادة الخامسة من الإعلان المذكور إلى عدم تعريض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الإحاطة بالكرامة". وفي تعريف آخر للعنف الأسري " هو أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج من وجود علاقات غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة وفقاً لما يمليه النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في المجتمع. وأيضاً فأن العنف العائلي يشير إلى ضرب وإهانة الزوجة والأطفال بأشكال متعددة، واغتصاب المحرمات من النساء في الأسرة، وقد يقوم بلك الزوج، الابن، الأب، الأخ حيث يتمتع الرجل في المجتمعات الأبوية بمكانة وسلطة، الأمر الذي يعزز تلك السلطة على المرأة وفرض نفوذه من خلال استخدامه العنف عليها. والمبرر الحقيقي وراء العنف أن للأمر علاقة بالتقسيم الاجتماعي للعمل تاريخياً، ونشوء السلطة الأبوية في المجتمع، فمن يقوم بالضرب يقوم به لعدة أسباب، ومن أبرزها أنه في ظل مجتمع ذكوري يتمتع فيه الرجل بالسلطة على أنه السيد، فإنه يعتبر أن المرأة جزءا من ممتلكاته له حق التصرف بها كيفما يشاء .( الألجاوي و نجيب / 2003 / ص 7 ). ثانياً: العنف الجسدي: و يتمثل باستخدام القوة الجسدية بشكل متعمد تجاه الآخرين ، بهدف إيذائهم ،و إلحاق الضرر بهم ، وذلك كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى التسبب بوقوع الألم، والأوجاع، والمعاناة جراء تلك الأضرار ، مما يعرضهم للخطر ومن الأمثلة على أشكال العنف الجسدي : الحرق أو الكي بالنار ، خنق، ضرب بالأيدي أو بالأدوات، دفع الشخص، لطمات.... الخ. ثالثاً: العنف النفسي :و يتم ذلك من خلال القيام بعمل مهين أو حرمان المرأة من حقوقها و واجباتها ، او حرمانها من الاشياء و المواضيع المحببة اليها وفق مقاييس مجتمعية ومعرفية علمية ، وقد تكون تلك الأفعال على يد فرد أو مجموعة يمتلكون القوة والسيطرة مما يؤثر على وظائف المرأة السلوكية، و الوجدانية، و الذهنية والجسدية، ومن الأمثلة على العنف النفسي: الإهانة، التخويف، الاستغلال، العزل، عدم الاكتراث وكذلك فرض الآراء على الآخرين بالقوة يعتبر نوعاً من أنواع العنف النفسي. رابعاً: الإهمال : ويتمثل بعدم تلبية الرغبات الأساسية لفترة مستمرة من الزمن ويصنف إلى فئتين: الإهمال المقصود- والإهمال غير المقصود. . أثار العنف ضد المرأة يعد العنف ضد النساء والفتيات مشكلة عالمية وخرق لقوانين حقوق الإنسان، إذ تلغي حق النساء بالمساواة، والأمان، والكرامة، والشعور بتقدير النفس، وحقهن بالتمتع بالحريات الأساسية. إذ لا زالت نسبة كبيرة من النساء حتى في الدول المتقدمة ( 50-70% ) يتعرضن للضرب من أزواجهن بدرجات مختلفة يصل بعضها إلى الموت أحيانا, هذا بالإضافة إلى العنف السلبي الأكثر انتشارا والمتمثل في الإهمال والتجاهل والتحقير والإلغاء والقهر والاستعباد والعناد والمكايدة من جانب الزوج، وهذا العنف السلبي يكمن وراء الكثير من الاضطرابات و الآثار النفسجسمية واضطرابات الجسدنة لدى المرأة. ( المهدي / 2004 / ص 4 ) . و يرى كل من ( الألجاوي و نجيب / 2003 ) و ( عساف / 2004 ) و ( سلامة / 2004 ) أن الإثار المترتبة على أعمال العنف ضد المرأة يظهر فيما يلي : 1 . الصحة الجسدية: جروح وكسور ، خلل وظيفي، الإعراض الجسدية ، صحة جسمية متدنية، إعاقات دائمة ، بدانة مفرطة ، أعراض آلام مزمنة، أعراض تهيج أمعاء واضطرابات معوية . 2 . الصحة العقلية: ضغط ناتج عن الحالة النفسية بعد الإصابة، اكتئاب، الرهاب (الخوف المرضي) ، اضطرابات الأكل، العجز الجنسي ، قلة احترام النفس، سوء استخدام الموارد ، الانتحار . 3 . تصرفات مضرة بالصحة: التدخين، إدمان الكحول والمخدرات ، ممارسات جنسية غير آمنة، قلة النشاط البدني، فرط الأكل . 4 . الصحة التناسلية: حمل غير المرغوب به، الإيدز، اضطرابات نسائية ، إجهاضات غير الآمنة ، تعقيدات الحمل، وانخفاض الوزن الولادي ، أمراض الالتهاب الحوضي . اسباب العنف ضد المرأة في المجتمع العراقي تتعدد الأسباب الرئيسة حول معاناة المرأة في مجتمعنا العراقي ، وقد نجد هذه الأسباب متجذرة على فترات زمنية طويلة مثل الأسباب الثقافية و العادات و التقاليد الرجعية ، أو نجدها نتيجة ظروف بيئية مؤقتة كالحروب و البطالة ..... أو تعاون الاثنان معا ً كتظافر و جود الأسباب الثقافية و العادات و التقاليد الرجعية و تعزيز ظهورها من قبل الأسباب البيئية ، و سوف نتناول كل سبب على حدة و نحاول تفسيره . فمن هذه الأسباب ما يلي: *شخصية الرجل العراقي : يتميز الرجل العراقي بأنه عدائي ، و سلوكه قائم على الممارسات و الأساليب السلوكية العنيفة ، فهذه الصفة لصقت به ، و هي جاءت نتيجة ما عاناه من ويلا ت الحروب ، وما لحقه من ضغوط نفسية مدمرة ، و مآسي قتل و تعذيب و نقص ً في الحاجات ، مما نتج عنه احباطات و صراعات مختلفة ، أدت به إلى الخبرات المؤلمة و البحث عن وسيلة ليفرغ بها عن كاهله المتعب هذه الخبرات ، و بالتاكيد ان احدى صور هذا التفريغ هو السلوك العنيف ، مما أصبح تكرار هذا العنف و ما يجد فيه بعض من الراحة سلوك متكرر ، ليصبح سمة رئيسة في شخصية الرجل العراقي. *الخضوع و التقبل للمرأة : تعد المرآة في مجتمعنا السبب الرئيسي و المباشر إلى حدوث العنف الذي يوجه ضدها، فتقبل المرأة كافة أشكال السلوك العدائي و التعسفي نحوها ، و المسامحة و الخضوع و التقبل له ، من أهم الأسباب الذي يكرر هذا السلوك ، إذ يعد (التسامح و الخضوع و التقبل) من قبل المرأة معززات إيجابية تميل إلى تكرار العنف ، ثم بدوره إلى الرسوخ و هذا لا محيص عنه ، و لنضرب المثل الأتي : غالبا ً ما تعاني المرأة في الأسر العراقية أو خارجها الكثير من العلاقات الاضطهادية و العدوانية ، فعندما نلقي نضرة متمعنة في داخل هذه العوائل نجد الدور الفاعل و المسيطر( للزوج أو الابن) و الخضوع ( للزوجة و الأخت ) فعندما تتلقى المرأة عدة ضربات موجعة و ألفاظ شتم و سب و طرد أو قسر ، نجد المرآة لا تقوم ألا بالخضوع و المسامحة و التقبل و ألقاء اللوم على نفسها محاولة تبرير الفعل الذي وقع من قبل الزوج أو الابن ، بالرغم من براءتها و استخدام العنف ضدها، هذا الخضوع و المسامحة و التقبل يعمل كمعزز ايجابي سمح للطرف الأخر ( المعتدي ) بتكرار هذا السلوك ، لأنه لم يجد ما يكبحه ، بل وجد ما يدعمه من ثقافة و عادات و تقاليد رجعية ، و اعتذار و تودد و تقبل من الطرف الأخر المعتدى عليه و هي المرأة، كرد فعلا ًعلى سلوكه، لذلك عملت نقاط الضعف هذه على تكرار العداء و رسوخه تجاه المرآة ، و التي بني على أساسها عدم أحترمها و سلب كافة حقوقها و امتيازاتها . *الجهل و عدم معرفة التعامل مع الطرف الأخر تمارس الثقافة دور حيوي ً لأحياء الممارسات العدائية الموجه ضد المرآة ، فكما هو معروف أن الثقافة تختلف في طبيعتها و اتجاهها ، إذ منها ما يدعوا إلى ثقافة التسامح و الحب و المودة و الاحترام ، و منها ما هو صارم و جامد و عدائي و بارد و قاسي . *وتؤدي الثقافة دورً كبير ًفي تكوين الفرد ، و نموه باتجاهات مختلفة سلبية أو ايجابية. فالمجتمع المتسامح و الودود و المحب تكون اتجاهاته سليمة في نمو و تطبيع إفراده نحو المواضيع و العلاقات الإنسانية المختلفة ، و من ضمنها احترام المرآة و إعطائها كافة الحقوق والواجبات و وضعها في المكانة الصحيحة و المناسبة . أما لو كانت ثقافة المجتمع منطوية على البرود و الجمود و الصرامة و القسوة سوف تنعكس هذه الثقافة بالجهل و عدم المعرفة في كيفية التعامل مع الأخر ، و التقليل من القيمة الإنسانية و عدم الاحترام و العنف و اغتصاب الحقوق... ،و هذا بدوره ينعكس على وظيفة و دور المرأة في المجتمع ، فمثلا ً ثقافة المجتمع العراقي ثقافة تقوم على العنف و القسر و القسوة و المرآة فيها مضطهدة تعاني من السلب و الضرب و عدم إكساب فرص العمل و حرية التعبير عن الرأي فضلا ً عن التقليل من قيمتها و مكانتها ، و أعتبا رها منفذا ًلإشباع حاجات الرجل ، و هو ما يؤدي إلى تضليل دور المرآة و تهميشه ، و مبرر ًلسلوك العنف و اتجاهه . *الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى للتقاليد و العادات دور ًكبير في عزل المرأة و اضطهادها ، إذ تمارس العادات و التقاليد الاجتماعية من خلال الأفكار و المفاهيم و المعتقدات الخاطئة التي تسودها, على تعزيز التعصب الجنسي للرجل ضد المرأة ، و سلبها كافة حقوقها و استعمال العنف ضدها .إذ جاءت هذه القوالب الجامدة و الأفكار المتدنية نتيجة تغلغل و ترسخ ثقافة العنف ضد المرأة منذ القدم ، إذ ظهرت هذه الثقافة الخطرة في تاريخ مجتمعنا ، نتيجة ما ساد عند العرب في فترة الجاهلية ،من أفكار نمطية و جمود قبلي للذهنية العربية المتخلفة ،و على صور و علاقات عدائية متعددة ، أمثال أن المرأة وصمة عار على أهلها ، وقتل الفتاة عن طريق دفنها و هي حية ، و هو ما أشار أليه القرآن الكريم بقوله ( و إذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ) ، فكانت المرآة تعاني من هذه النظرة منذ الأزمنة القديمة و إلى وقتنا الحاضر . أن هذه الأفكار و المعتقدات الخاطئة ما زالت مستمده ، و محافظة على قوتها و أن تغيرت على مر الزمن و بصور مختلفة، لكنها بقيت متأصلة في عاداتنا و تقاليدنا، بالرغم من مجيء الدين الإسلامي و سيادة تعاليمه و حرصه على أعطاء المرأة المكانة الصحيحة و المتميزة ، و نبذ كل عادة و فعل سلوكي خاطئ حرمه الشرع ، فبقيت هذه الأدراكات و التصورات متوارثة جيلا ً بعد جيل ، حاملة ً تلك النظرة المتصلبة تجاه دور و وظيفة المرأة في المجتمع ، لأنها ـ حسب تعبيرهم ـ مصدر على جلب العار و الرذيلة و الإثم. هذه العادات و التقاليد عملت على تهيئة و تبرئة العنف نحو المرأة . *الاجتهادات الدينية المتطرفة للدين مكانة قيمة في توجيه الفرد نحو التعاليم و المبادئ الأخلاقية و الإنسانية السليمة، إذ يعمل الدين على تقويم سلوك الإنسان و تصحيحه ، فهو بمثابة فكر ذو منطلق وجداني و رباني عميق يتبناه الفرد و يؤمن به ، و يعمل على تعديل سلوكه نحو الطريق الفكري و الفعلي السليم . إلا إن ما عانته غالبية الأديان هو الفكر الاجتهادي المتطرف الخارج عن المنبع الفكري الأصيل للكتب السماوية ، و ما تحمله هذه الكتب من أفكار تنويرية و نظم قيمية صحيحة ، فالديانة المسيحية ًخرجت عن المنحى الصحيح إلى منحى التزوير و التحريف ، إذ نجد تعاليم الكنيسة كانت تعد المرأة بمنزلة الشيطان و صاحبة مفاتن و غرائز تعمل على جلب الرذيلة و الشعور بالإثم و الذنب ، على الرجل الابتعاد عنها و اللجوء إلى تعاليم الله ، من أجل تجنب مشاعر الإثم و الرذيلة ، و هذا ما ظهر لدينا أيضاً ، فالدين الإسلامي ظهرت فيه تيارات دينية متطرفة عملت على تشويه النص القرآني و أحاديث السنة النبوية و الخروج منها بأفكار دينية غريبة لا تمد إلى الإسلام بشيء ، مما قامت على اضطهاد المرأة وسلب حقوقها و مكانتها الدينية و الاجتماعية ، فأظهرت المرأة بمنزلة تعاليم و مبادئ الكنيسة ، لأنها عدت ناقصة عقل و دين ، و فتنه يجب عزلها و إبقائها في بيتها حتى لا ترى أحد و لا أحدا ً يراها ، و لكن الم يقل الله سبحانه و تعالى في منزل كتابه (( أنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) فأين النقص الذي نجده في المرأة ! ألم يقل الرسول الكريم محمد ( ص و أله ) أن المسلمين سواسية كأسنان المشط لا يفرق أحدا عن غيره ألا بالتقوى و الأيمان فأين النقص ! صحيح أن هناك اختلافات في الخصائص الجسمية و النفسية و العقلية و الانفعالية و حتى الاجتماعية لدى المرآة ، تختلف بها عن الرجل أو تتميز و تتفوق عليه بفوارق نسبية ( و أن لدى الرجل كذلك خصائص و قدرات يتميز و يتفوق بها على المرأة وبفوارق نسبية أيضا ً ) و لكن هذا ليس دليل على ضعف المرأة و افتقادها القدرة على أداء الواجبات التي يمتاز بها الرجل ، سواء في اكتساب فرص العمل و تبوء مواقع رسمية في الدولة ، أو سلب امتيازاتها و حقوقها و كرامتها ، أن هذه المظاهر تعد بحد ذاتها مواقف عدائية بحتة تجاه المرأة . عن وصيا الاسلام في حق المرأة: ، فعن رسول الله (ص): (اتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عوان (أي أسيرات) بين أيديكم، أخذتموهن على أمانات الله)، وعنه (ص): (مازال جبرائيل يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرّم طلاقهن). وعن أمير المؤمنين ) (ع): (إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) و(الاستهتار بالنساء حمق)، وعن الإمام زين العابدين(ع): (وأما حق زوجتك فان تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا، لأنها أسيرتك (فهي قد ربطت مصيرها بمصيرك.إذن فهي مثل الأسيرة لديك) ولابد أن تطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها (. *الأساليب التربوية و الاجتماعية : تعمل الأساليب و الخبرات التربوية و الاجتماعية التي يتلقاها الفرد عن طريق القنوات الاجتماعية من ( والدين و مدرسين و أقران ) المنبع الرئيسي في تكوين شخصيته . إذ أن نمو الفرد في جو تسلطي كابت و منغلق ، لا يوفر الإشباع البيولوجي و النفسي ، يكون لدى الفرد شخصية عدائية سلبية، تقوم على استخدام العنف كوسيلة مفضلة لحل مشاكلها و توافقها ، كما تتصف بفقر الحاجة للحب و الرعاية و فقدان الأمن و امتلاك صورة مشوهة للذات و ضعف الروابط الانفعالية ، و تهديد الآخرين و إخضاعهم و السيطرة عليهم بالقوة و الإكراه و القسر. *الأحباطات و الصراعات الناجمة عن البيئة : أن للمشكلات البيئية و ما ينجم عنها من ضغوط حياتية و مشاكل نفسية و قلق و توتر و احباط و صرا ع , تعمل بالضغط على الفرد و توتره مثال ذلك بطالة رب الأسرة ، و أزمات الحرب ، و مشاكل العمل ،و كثرة الأزدحامات ، و أزمة السكن ، و ضعف الخدمات ، و قلة إشباع الحاجات الأولية و الثانوية ، كل هذا يؤدي بألافراد إلى النزعة العدوانية والسلوك ألصراعي ، و التي تكون المرأة احد المتنفسات التفريغية عنه . دراسات إحصائية حو مظاهر العنف ضد المرأة رغم قلة الدراسات والإحصائيات حول العنف ضد المرأة في المجتمع العراقي ، فأن المتوفر منها يدل على ما يلي : *إحصائية عن المرأة العربية عرضتها الجمعية الليبية للتنمية السياسية و البشرية : جاءت في الإحصائية أن المرأة العراقية حصلت متأخراً على حقها دستوريا و ذلك عام 1980 ودخلت البرلمان في نفس العام ،و أن المرأة العراقية جاءت في المرتبة الرابعة عشرة بنسبة 45%. ضمن الدول العربية في الحصول على حقها في التعليم . * في دراسة ميدانية أقامتها جمعية الأمل العراقية حول العنف ضد المرأة في العراق ـ إقليم كوردستان ـ ( أنموذجاً ) : إذ بلغت عينة الدراسة من (2350) امرأة (1234) منهن في مركز المدينة و(1116) منهن في خارج المدينة، إضافة إلى (18) امرأة من المسجونات داخل دار الإصلاحية للأحداث الجانحين في مركز مدينة أربيل، وشملت عينة البحث الفئات التالية (البنات، المتزوجات، المطلقات ) ، و من خلال استبيان ، تضمن مجموعة من الأسئلة وجهت إلى عينة الدراسة ، جاءت نتائج الدراسة كما يلي : *. هل كان والداكِ يفضلان أخاكِ عليك، وهل شعرتي به؟) : تشيرنتائج الدراسة إلى أن (19.361%) من أفراد العينة شعرن بتفضيل إخوانهن عليهن من قبل العائلة، ولكن هذه النتيجة غير دقيقة لأن التفرقة بين الذكور والإناث موجودة بدرجة كبيرة، ولكن نتيجة الخوف والظروف النفسية المحيطة بجمع المعلومات، لم تستطيع المبحوثات التعبير الصريح عن آرائهن .وتعود هذه التفرقة إلى أن الأهل يحبون الإخوة والأولاد أكثر من البنت (18.68%) ولا يمنحون الحرية المرأة للخروج واختيار الأصدقاء بعكس الولد الذي له حرية كاملة للخروج واختيار الأصدقاء (17.37%). ومن جانب آخر الأهل لا يمنحون المرأة الفرصة لتكملة الدراسة(16.5%) ولكن الفرص كثيرة أمام الذكور لتكملة الدراسة الجامعية، ونسبة كبيرة من أهل أفراد العينة يقللون من شأن البنت فضلاً عن عدم إشباع حاجاتها الأساسية وفرض الآراء عليها بالقوة وعدم استشارتها في أمور كثيرة تخصها . * الاعتداء الجنسي (التحرش ) : تبين من نتائج الدراسة بأن (62.127%) من أفراد العينة قلن (نعم)، أي برأي حوالي ثلثي أفراد العينة توجد التحرشات بالمرأة والبنات داخل الباصات والأماكن العامة من قبل الجنس الآخر (الذكور) وطبعاً هذه التصرفات غير مقبولة (اجتماعياً ودينياً وقانونياً (. *. الاعتداء النفسي (الإهانات والتعليقات( : عندما وجه السؤال (هل تتعرضن إلى الإهانات والتعليقات الجارحة من قبل الرجال والمراهقين في الأسواق والأماكن العامة) أجابت (69.617%) من أفراد العينة (بنعم). وهذه النتيجة تدل على أن المرأة (البنات) يتعرضن للتعليقات و الاهانات فضلاً عن الاعتداءات الجسدية مما يتسبب بالآلام النفسية للمرأة أثناء تواجدها في الأماكن العامة. *هل تعتقدن بأن أكثر الشتائم والإهانات المتداولة بين الرجال موجهة ضد النساء؟). أجابت (49.404%) من أفراد العينة (بنعم) والبقية (لا). وهذه النتيجة أيضاً توضح لنا بأن الرجال عندما يتشاجرون فيما بينهم ويوجه طرف السب والشتائم إلى الطرف الآخر،يوجهون أكثر شتائمهم وإهاناتهم إلى الأمهات والأخوات والزوجات بعضهم بعض. وهذه النتيجة أن دلت على شيء إنما تدل بأن المرأة حتى أثناء غيابها تتعرض للإهانات والشتائم من قبل الرجال. 5 . المرأة ناقصة العقل: أجابت (55.659%) منهن بأن بعض الرجال يؤمنون بذلك بينما أجابت (27.361%) منهن بأن أكثر الرجال يؤمنون بذلك، وتعتقد (8.808%) منهن بأن جميع الرجال يؤمنون بتخلف وجهالة المرأة. أي أن (92%) من أفراد العينة يعتقدون بأن النساء بنظر الرجل ناقصات العقل وجاهلات. ولاشك هذه العقيدة لها انعكاسات سلبية على سيكولوجية المرأة ونظرتها إلى نفسها وبحاجة إلى التعديل والتغيير. * . حرية الاختيار: أجابت (33.148%) من أفراد العينة بالنفي،أي ليس لهن الحق والرأي أثناء اختيار نوع الدراسة ونوع الملابس التي تحب أن ترتديها وأيضاً لا تستطيع الذهاب إلى زيارة الأصدقاء والأهل بدون موافقة مسبقة من الأهل أو الزوج؟ .


حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.