تأخذ الأم مكانة إنسانية فكرية في مختلف الفنون والآداب فمن النادر وجود شاعر لم يحتف بالشخصية التي قدمته للوجود وبالإنسانة التي يعتبرها مرجعاً مطلقاً للحب والحنان كما أن مختلف الفنون تناولت شخصية الأم لتكون موضوعاً بحد ذاته يمكن من خلاله تقديم الصورة الإنسانية للعطاء الكامل الذي لا يقدر.
واتجه مختلف الكتاب والعاملين في مجال الإنتاج الثقافي والفني لتقديم شخصية الأم من منحيين أولهما خاص يعبر عن ذات المؤلف وارتباطه بأمه وقصته الشخصية معها وثانيهما جمعي يتناول الأم كشخصية عامة لها أثرها الكبير في الإنسانية جمعاء وصولاً إلى تشبيهها بالوطن الذي يعطي ولا يأخذ.
وفي الأدب العربي تسابق الشعراء من حيث لم يقصدوا في الحديث عن الأم وترددت في ذكرى عيد الأم أبيات شعرية ونصوص أدبية باتت منهجاً في روءية وفهم هذا المنهل العاطفي الخير فينطلق بعضهم من علاقة الأم بصغيرها وحرصها عليه بصورة ملائكية إذ يقول أبو القاسم الشابي:


"الأم تلثم طفلها وتضمه حرم سماوي الجمال مقدس."
بينما يتجه الشاعر حافظ ابراهيم نحو دور الأم في المجتمع وأهمية أن تكون متعلمة ومدى أثر ثقافتها على إنشاء الجيل البناء فيقول:
"الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا.. بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى.. شغلت مآثرهم مدى الآفاق."


ويقول معروف الرصافي:
"إن خدمنا فلا تريد جزاء.. ومن الأم هل يراد جزاء."


وفي الغربة التي عانى منها الكثير من الشعراء خاصة في العصر الحديث كانت الأم أحد أهم روابط الإنسان بالوطن إن لم تكن هي الوطن الصغير الذي يضم في تفاصيله جزئيات الوطن الأكبر فتجلى الشوق للوطن في الشوق للأم فيما اختصرت هي مكوناته وجمالياته ونجد هذا عند الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش إذ يقول:


"أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي..
وتكبر في الطفولة يوماً على صدر يوم..
وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل.. من دمع أمي."


وفي منحى مشابه يقول الشاعر السوري الراحل نزار قباني:
"عرفت عواطف الإسمنت والخشب..
عرفت حضارة التعب..
وطفت الهند طفت السند طفت العالم الأصفر..
ولم أعثر..


على امرأة تمشط شعري الأشقر..
وتحمل في حقيبتها..
إلي عرائس السكر..
وتكسوني إذا أعرى..
وتنشلني إذا أعثر..
أيا أمي.."
في الشعر الوطني كانت الأم أكثر الشخصيات حضوراً بوصفها أم المناضل والشهيد وأصبحت قضية وطنية بحد ذاتها فهي الوحيدة القادرة على تقديم ما هو أغلى من نفسها للوطن فكانت الأكثر كرماً في عطائها من خلال التضحية بأبنائها في سبيل الحرية فتقول سعاد الصباح:


"رأيتها ملتفة بالسواد..
في وجهها ملحمة من حداد..
مقروحة الجفن على فلذة..
من كبدها الحرى طواها الرماد..
تشكو تخلع قلب الجماد..


في ليلة العيد تهاوى ابنها..
مستشهداً في غمرات الجهاد..
ولم تزل نجواه في سمعها..
ولم تزل صورته في الفؤاد.."


وفي الأم التي اضاعت ابنتها يقول الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب:
"ويا مصباح قلبي يا عزائي في الملمات..
منى روحي ابنتي عودي إلي فها هو الزاد..
وهذا الماء جوعى ؟ هاك لحمي..
طعاماً آه عطشى أنت يا أمي.."
وكان من أروع الرثائيات في الأدب العربي ما قاله الشعراء في رثاء أمهاتهم منطلقين في ذلك من الوجع الخاص نحو الفقد العام الذي يمنى به الولد بفقدان أمه أوسع مجالات الحب وأغزر أنهار العطاء.. يقول اليمني عبد الله البردوني:
"آه يا أمي وأشواك الأسى..
تلهب الأوجاع في قلبي المذاب..
فيك ودعت شبابي والصبا..
وانطوت خلفي حلاوات التصابي..


كيف أنساك وذكراك على..
سفر أيامي كتاب في كتاب..
كم تذكرت يديك وهما..
في يدي أو في طعامي وشرابي..
هدهدت كفاك رأسي مثلما..
هدهد الفجر رياحين الروابي."
وتستحضر الذاكرة بمجرد اقتران الرثاء بالأم نص أبي الطيب المتنبي الذي صاغ ما يصنفه بعض النقاد من أبلغ قصيدة رثاء في الأدب العربي إذا يرثي أمه قائلاً:
"أبكيك لو نقع الغليل بكائي.. وأقول لو ذهب المقال بدائي
قد كنت آمل أن أكون لك الفِدا.. مما ألم فكنت أنت فدائي
قد كنت آمل أن يكون أمامها.. يومي وتشفق أن تكون ورائي."

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.