الصبري: اجعلوا من أبنائكم أفرادا منتجين ولا تشعروهم بكونهم عالة عاجزين
السنباني: المعاقون أحوج ما يكونوا إلى آبائهم فلا تكونوا أنتم والزمن عليهم !!
 
الأقدار هي من اختارت لهم حياتهم فكان نصيبهم في الحياة هو الصبر والتحمل والتحدي والانطلاق رغم مرارة الإعاقة التي ألمت بهم إلا أنها ستبقى بالنسبة لهم صراعا حلوا مع الحياة لإثبات الإثبات ووجود الوجود بمباركة الأهل وصدق تحننهم وعظمة صمودهم , فكان واقع التميز والارتياح النفسي والوجداني حليف هؤلاء المعاقين .. وبين هذا وذاك تكمن أسر جعلت من إعاقة ولدها عالة وفضيحة فأردته حبيس آلامه ووارته عن عيون الناس وجعلت من  القسوة والغلظة وتمني موته وزواله مبدأ للتعامل معه والتقزز منه وكأنه مجرد كائن متحجر منبوذ من المجتمع بل من الحياة بأكملها...

     مشهد مأساوي
وفي مستهل هذا التحقيق نقف مع مشهد جاشت له معاني الإنسانية ألما وحزنا حال رؤيتنا لطفلة معاقة حركيا تبلغ من العمر من 11 عاما معاقة حركياً وتعاني من ضمور جزئي في الدماغ محبوسة في غرفة منزوية لا يجلسون ولا يأكلون معها بل يتركونها طوال الليالي ومدد الأيام وحيدة إعاقتها.. تسمع صرخاتها وبكائها إلى المنازل المجاورة، خاصة عندما تسمع أصوات أطفال الحي تتعالى بالضحك واللعب والمرح فيفتح والدها الباب عليها أمراً إياها أن تصمت إلا أنها تصرخ من كمد ما تعاني وألم ما تلاقي ليقوم بعد ذلك بضربها وأكماد صوتها بقطعة قماش ربطها به وهذا هو حالها منذ أكثر من خمسة أعوام تحت سقف تعفنت جدرانه وزواياه بظلم لا ذنب لها سوى إنه قدرها!
                    
ثلاثة معاقين والمصيبة هي....
 أما أم حسن طاهر فهي أم لثلاثة متخلفين عقلياً تحكي عن معاناتها قائلة: للأسف أرى نفسي عاجزة تماماً عن تقديم العون لأبنائي خاصة بعد ما غسل والدهم يده من الموضوع فهو يعاملني وكأنني السبب في ذلك قائلاً: بأنني جلبت له عار الإعاقة لأبنائه الثلاثة وأنهم أيضاً هم السبب في جلبهم نظرة الاسترحام والنقص التي يلاقيها من الناس له ولهذا فهو فض التعامل معهم وتحت مبرر الخوف عليهم من الخروج خارج المنزل أو الضياع يقوم بربطهم الثلاثة بسلسلة واحدة تارة في سطح المنزل وتارة أخرى بجانب الأسرة وحتى لا يتعاركوا فيما بينهم يقوم بتنفيذ أيديهم وأرجلهم.

وأضافت كما حاولت منعه من ذلك يقوم بتهديدي بالطلاق فأرضخ للأمر الواقع من أجل أبنائي الذين لا أستطيع العيش بدونهم حتى إن والدهم رفض معالجتهم بحجة أن تكاليف ذلك باهظة ورفض حتى إلحاقهم بأي من الجهات المعنية بالمعاقين خوفاً من الفضيحة بين الناس كما يزعم.
                                            
مبعثه للألم
الكفيفة صابرين سالم تقول إنه من الصعب جداً أن ينظر إليك الناس على أنك عالٌ أو عبء عليهم ليشعروك بعجزك وبإعاقتك وأن وجودك محدود ومحسوب باللحظات والدقائق والأيام كأثقال جبالٍ على صورهم فقد حُرمت من التعليم والخروج أو حتى الجلوس مع الناس إلا مع أقاربي لأنهم يشعرونني وكأنني حالة إنسانية خاصة مبعثه للحرج والألم حتى عرفت عن ذلك كله واخترت الوحدة لي ملاذاً، واقسم لكم بأن أسمى طموحاتي وأعظم أمالي هو الموت ولا شيء سواه فأي حاضرٍ أحياه أو مستقبل سأنتظره في ظل هذا الواقع!

مضيفة هي رسالة في منتهى حدتي إلى كل أسرة ابنها أو أبنتها مصابة بأي نوع من أنواع الإعاقة إن هذا هو ابتلاء من الله لتنالوا التشريف وليست عقوبة لتصابوا بالذل والهوان، زد على ذلك أن الإنسان المعاق ليس المعاق جسدياً وإنما أخلاقياً وفكرياً والواقع يثبت ذلك فلا ذنب لنا إلا بما كتبه القدر علينا.

 نظرة المجتمع لهم
ومن جانبها تقول أخصائية علم اجتماع صفية الصبري: أن ابرز ما يعيق المعاق في نفسه أولاً هو نظرة المجتمع له، ماذا يقولون عني وكيف ينظرون لي وكيف يصبح شكلي ومركزي أمامهم فإذا كان هذا المحيط على قدر من الوعي والفكر في تعامله وتصرفه مع الإنسان المعاق فهذا من شأنه سيعكس طاقة ايجابية على نفسيته وراحة تزيد من ثقته بنفسه وتقوى من عزيمته وإرادته في مواجهة مختلف الصعوبات والعوائق المثبطة فالإنسان المعاق حركياً أو من ذوي الإعاقة البصرية أو شريحة الصم والبكم أو ممن يعانون من ضمور أو تخلف عقلي هم لم يختاروه لأنفسهم ذلك بل هذا هو قدرهم والواجب أن نحتضنهم ونخفف من ألامهم وأحزانهم لنكون عوناً لهم في مجابهة مرارة الإعاقة وتحويلها من نقطة ضعف إلى بؤرة قوة وانطلاق وهذا ما يجدر بالأسرة فعله والقيام به قبل أي شخص أخر.

وأضافت الصبري وأما تعامل النقص أو الازدراء أو العنف والإقصاء مع المعاق فهذا يولد شعور النبذ والرفض في نفسيته لواقعه وحاله ناقماً على كل من حوله ساخطاً على قدره بعد أيامه التي صارت في تقويمه المأساوي كالسنين، ولهذا فأنا أدعوا إلى إدماج المعاقين في المؤسسات والجهات المعنية فهي الوسيلة المثلى لإعانتهم على إعاقتهم ليغدوا أفراد منتجين خدومين لأنفسهم ولمجتمعهم وأطالب بإنزال أشد العقوبات لكل من تصرفوا بوحشية أو عدوانية أو أي ممارسات لا إنسانية مع هذه الشريحة المهمة.

 الصبر يا أهل المعاق
وأما الداعية أحمد السنباني فهو يقول الصبر ثم الصبر يا أهل المعاق ولنذكر قوله تعالى " انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " وما أعطى أحد عطاء خيرا أوسع من الصبر, فلا تتذمروا بإعاقة أبنائكم ولا تعزفوا عن الاهتمام بهم ومداراتهم فهم أحوج ما يكونوا إلى صدور آبائهم قبل اهتمام الجمعيات أو المؤسسات والدور المعنية , واعلموا أنه بإحسانكم إليهم سيكون ذلك سببا بإذن الله لدخولكم الجنة أو سببا في رفع المصائب والمحن عنكم فطوبى لمن اتقى أمر الله فيهم وويل لمن لم يراعوا حتى إنسانيتهم , فإذا كانت امرأة قد دخلت النار بقطة حبستها فما بالك بابن آدم إنسان تزجره وتمنعه وتحبسه وتعذبه !! . إنسان ضعيف معاق متألم تزيد من آلامه وعذابه !

وأضاف السنباني: وأما أنتم أصحاب ذوي الإعاقة ثقوا بأنكم إن صبرتم واحتسبتم فمالكم جزاء إلا الجنة فإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فعظيم الجزاء مع عظيم البلاء فارضوا وابشروا برضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض



حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.