عندما نتحدث عن المواطنة وضرورة سن قوانين تعاقب من يميز بين المواطنين، غالبا ما ينصرف ذهن المواطن إلى التمييز الديني وخاصة التمييز الذي يتعرض له المسيحيين متناسيين التمييز ضد البهائيين والشيعة واللادينيين. وقد يتم الحديث بشكل أقل عن التمييز ضد المرأة بفعل الضغط الذي تمارسه النسويات النسوية من أجل الحصول على حقوقهن كمواطنات. إلا أن أغلب المواطنين لا يلتفت إلى التمييز الطبقي الذي أخذ يتزايد في العالم العربي عبر الـ 35 سنة الماضية ويبدوا أننا لن نرى مواجهة قريبة مع هذا التمييز الذي نسمع أخباره في كل مرة يتم فيها فتح باب التعيين في وزارة الخارجية أو الهيئات القضائية.

ومع إهمال الدولة لهذه الظاهرة بل ربما ظهر هذا التمييز بتشجيع من الدولة لسبب أو لأخر، رأينا بعض ممن يدعون الليبرالية يؤيدون هذه الظاهرة ويدافعون عنها. فكيف لابن الموظف الفقير أو المزارع الغلبان أن يصبح قاضي أو سفير؟ ويبدأون في صب اللعنات وترديد عبارات الاحتقار واتهامات لهؤلاء بأنهم سيصبحون فاسدين مرتشين إذا تولوا مثل هذه المناصب العليا!!!

بل لقد امتدت هذه الطبقية المدعية لليبرالية للنظر باحتقار ودونية لكل شخص كون ثروة بفعل كفاحه وعمله ليصبح مليونيرا وصاحب منصب سياسي ولم يولد وفي فمه معلقة ذهب مثلهم. فهو بالنسبة لهؤلاء المدعين مازال صعلوكاً حتى لو كان مليونيراً. ويبدوا أن تراث الليبرالية المصرية القديمة ما قبل 1952 وارتباطها بالأرستقراطية المصرية قد أوهم هؤلاء أن الليبرالية هي الأرستقراطية، ضد الطبقات الفقيرة المنحطة من وجهة نظرها، ومع الطبقات العليا الأرستقراطية حاملة الشرف والأخلاق والثقافة والمال. وعلى كل إنسان أن يلزم طبقته فلا يحاول الصعود، وعلى الطبقات العليا أن لا تختلط بالسوقة والرعاع من أبناء الطبقات الدنيا.

مظهر أخر من مظاهر تشوه العقلية المصرية التي ترفع يافطات لا تدري معناها ولا حقيقتها مجرد يافطة للوجاهة وادعاء الثقافة، فالكثير ممن يقول عن نفسه ليبرالي أو اشتراكي أو شيوعي لا يعرف معنى أي من هذه الكلمات. قد تكون صاحب تفكير ورؤية طبقية عنصرية تحتقر من هم أدنى منك وترفض الاختلاط والتعامل معهم، هذا حقك، ولكن رجاء لا تسمي نفسك ليبرالي فهذا سيجعلك تظهر في مظهر الجاهل الذي يعلق يافطة لا يفهم معناها.

فأحد قيم الليبرالية هي المساواة في الفرص، أي أن يكون لدى كل مواطن نفس الفرص التي لدى المواطنين الآخرين والذي يفوز في النهاية هو من يتمتع بمهارات وقدرات أعلى بغض النظر عن عقيدته أو جنسه أو لونه أو طبقته. فالعامل الحاسم لتولي منصب أو وظيفة هو الكفاءة فقط لا غير.

 وكذلك القيمة الرئيسية والعامود الفقري لليبرالية وهى “الفردانية” حيث يجب أن يتمتع الفرد بأقصى درجات الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكذلك فإن الفرد هو صاحب المبادرة من أجل تحقيق أقصى درجات المصلحة الشخصية وتتكون مصلحة المجتمع من مجموع مصالح الأفراد. فالحرية السياسية للفرد تقتضي أن يكون قادر على الوصول إلى أعلى المناصب السياسية بما في ذلك رئاسة الدولة، طالما امتلك القدرات المؤهلة لهذا المنصب، فما بالك بمنصب قاضي أو سفير؟

والحرية الاقتصادية تقتضي حرية الدخول والخروج من السوق بما في ذلك سوق العمل. فمن حق كل فرد أن يختار العمل الذي يرغب في القيام به طالما يمتلك المهارات والقدرات اللازمة لهذا العمل، وليس من حق أحد سواء سلطة أو فرد أن يمنع أي مواطن من ممارسة أي نشاط اقتصادي بسبب عقيدته أو جنسه أو لونه أو طبقته الاجتماعية. كذلك الحرية الاجتماعية التي تقتضي حرية الانتقال بين الطبقات وفقا للمهارة والامكانات الفردية للإنسان، وحرية الإنسان في الاختلاط بالعمل أو الزواج من الطبقات الأخرى أعلى أو أدنى.

وهذا الكلام ليس كلام نظري نتشدق به للترويج لليبرالية بل هو واقع عملي. فيستطيع أي شخص أن يبحث في الأصول الاجتماعية لرؤساء وعلماء وسفراء وقضاة وأغني أغنياء الدول الليبرالية سيجد الكثير منهم وقد جاء من خلفيات اجتماعية متواضعة ولكن بفضل علمهم وعقلهم ومجهودهم، وبفضل الليبرالية وما تمنحه للإنسان من حرية وحقوق المواطنة والمساواة استطاع هؤلاء أن يكونوا قادة في السياسية والعلوم والاقتصاد والأعمال.

الليبرالية لا تعرف التمييز الطبقي.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.