ليت الأمر توقف عند عضوية قيادات داعش وجميع التنظيمات الجهادية التكفيرية فى مرحلة مبكرة من عمرهم لتنظيم الإخوان كما جاء فى شهادة قيادات الجماعة وباعتراف رجالات تلك التنظيمات، فقد جاء على لسان القرضاوى أن "أبو بكر البغدادى" كان منتميا للإخوان كما ذكر الظواهرى "فى حديث متلفز" أن أسامة بن لادن قد بايع المرشد السابق "مصطفى مشهور" على السمع والطاعة " كما أن الظواهرى كان منتميا الى الاخوان قبل أن يؤسس وآخرين تنظيم الجهاد المصرى"وقبلهم كان جميع قادة تلك التنظيمات الإرهابية من "صالح سرية" قائد عملية الفنية العسكرية و"مصطفى شكرى" مؤسس التكفير والهجرة ورفيق سيد قطب فى السجن الحربى وعبد الهع عزام صاحب فكرة القاعدة و"الحبل على الجرار" كما يقول إخواننا الشوام، بل أن جميع تلك التنظيمات رضعت من ثدى الجماعة وخصوصا فى طبعتها القطبية الأكثر تكفيرا.

لقد إنضم أبو بكر البغدادى لإخوان العراق "الحزب الإسلامى" قبل أن ينتظم فى دراسة الشريعة فى جامعة صدام للعلوم الإسلامية ببغداد ولكنه إنشق عنهم والتحق بالقيادى الجهادى محمد حردان الذى قاتل مع بن لادن فى أفغانستان ثم عاد الى العراق فى بداية التسعينات وخرج من تنظيم الاخوان وأسس "جيش المجاهدين السلفى" بعد الغزو الامريكى للعراق فى 2003 والذى انضم اليه البغدادى لفترة قصيرة قبل أن يقبض عليه ويقضى حوالى 3 سنوات فى سجن بوكا بالعراق وبعد خروجه إنضم الى تنظيم "التوحيد والجهاد" بقيادة أبو مصعب الزرقاوى الذى اختاره كعضو فى "مجلس شورى المجاهدين" ثم تولى قيادة التنظيم عام 2010 (بعد مقتل الزرقاوى وابو عمر البغدادى وابو حمزة المهاجر) وتحويل اسمه من التوحيد والجهاد الى "دولة الخلافة فى بلاد الرافدين"، وبعد عسكرة الثورة السورية وتحولها الى ميدان صراع بين تنظيمات سلفية متطرفة إنتقل أبو بكرالى شمال سوريا مؤسسا داعش" الدولة الاسلامية فى العراق والشام"

وسرعان ما إنشق هذا التنظيم عن المنظمة الأم "القاعدة" وخلع بيعته للظواهرى ودارت مناوشات وتلاسنات مريرة بين البغدادى والظواهرى على خلفية أن داعش تشعر بالغرور والتميز على تنظيم القاعدة لكونها ولأول مرة فى تاريخ الجماعات الجهادية تسيطر على رقعة محددة جغرافيا ترفع عليها اعلامها وتستقضى منها الضرائب والمكوس والجزية وتمتلك أيضا ما يشبه الجيش المنظم الذى يحمى تخوم دولتهم المزعومة ويدفعون رواتب للجند والموظفين والأعوان بينما الآخرين ليس لديهم الآّ بعض العمليات الإرهابية من إغتيالات وتفجير وقتل وتدمير، اللهم سوى جماعة الإخوان التى إستطاعت بخدعة من الوصول للحكم فى بلدين إسلاميتين هما تونس ومصر وسرعان ما أجبرت على مغادرة الحكم إما غصبا "كما حدث بمصر أو بالصندوق كما حدث بتونس" بينما داعش تستخدم أساليب الارهاب والرعب ضد مخالفيها ولن تترك أرضا إستولت عليها الاّ على جثث مجاهديها.


تستمد داعش أفكارها من مجمل تراث الإخوان إبتداءا من آراء المؤسس "حسن البنا" حول الخلافة والشعار الذى يستخدمه الاخوان وهو السيفين وبينهما صورة المصحف وكلمة "وأعدوا" المكتوبة تحتهما وهى إختصار للآية الكريمة "وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، وقد أعلنت الجماعة فى بيان مؤتمرها العام لسنة 1945 ( إقامة حكومة إسلامية فى كل قطر إسلامى والتى يتوجب عليها أن تحترم فرائض الإسلام وشعائره وأن تلزم كل موظفيها بأدائها وأن تحرم الموبقات كالخمر والزنا والقمار والكسب الحرام وأن تؤسس التعليم على التربية الإسلامية والوطنية واللغة العربية وأن تغدو الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون)، وهذا ما حققت أغلبه الأنظمة المتتالية وخصوصا فى العام الذى حكم فيه الإخوان، واتبعت الجماعة سياسة العنف ضد الأقليات وعلى رأسهم يهود مصر والإغتيالات وكانت عادة تصدر بيانات بإدانتها أو التنصل منها كما ورد فى بيان البنا "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"

 وإنكار القيام بمحاولة إغتيال عبد الناصر وإعتبار أن ما تم مسرحية قصد بها تصفيتهم، ولكن أخطر مرحلة فكرية فى تاريخهم جاءت حينما تحول "سيد قطب" الى تبنى الفكر التكفيرى وحكم على جميع المجتمعات الإسلامية بأنها جاهلية وأن على المسلمين منهم قتال حكامهم الطواغيت وظل كتابه "معام فى الطريق" يطبع ويوزع سرا فى زمن عبد الناصر أو علنا فى نظام السادات وتم طباعته وتوزيعه بشكل واسع فى الجامعات عن طريق اتحادات الطلاب بعد استيلائهم عليها، ويشير أيمن الظواهرى فى كتابه "تحت راية النبى" الى الشياب المؤمن بافكار الإخوان بالقول " إن هذا الشباب المخدوع يعتبرون أقوالهم وأفعالهم من "التقية" ولا يدرون أن هذا تبديل لأحكام الدين المستقرة كما بدّل اليهود والنصارى دينهم" كما يقول فى موضع آخر " إن سيد قطب هو الذى وضع دستور الجهاد فى كتابه الديناميت معالم فى الطريق وان سيد هو مصدر الإحياء الأصولى" واذا رجعنا لمقولات سيد قطب الاصلية كقوله " إرتدت البشرية عن عبادة العباد وجور الأديان وإن ظل فريق منها يردد على المآذن أن لا إله الاّ الله".


الثمانينات كانت الفرصة الذهبية للقاء بين جميع التنظيمات التكفيرية لإعلان الجهاد ضد الإتحاد السوفييتى الكافر على أرض أفغانستان، وقتها سارع الإخوان لحشد شيايهم وآخرين للسفر الى بيشاور للجهاد ضد السوفييت تحت ادارة الحلف الامبريالى الامريكى (ومنهم "عبد المنعم أبو الفتوح" ولجنة الإغاثة الإسلامية بنقابة الأطباء)، وإستمر الإخوان بعد إنتهاء الحرب فى مساندة أمراء الجهاد الأوائل "سياف وحكمتيار ومسعود..وغيرهم" بينما تحولت القاعدة للتحالف مع طالبان والبيعة لأمير المؤمنين "المللاّ محمد عمر" ولكن الاخوان سرعان ما عادوا لتأييد طالبان بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان فى 2001، كما حدث من تأييدهم لصدام فى العراق فيما بعد ولنفس الأسباب... الفرق بينهم الآن أن داعش تعتقد أن إقامة "الدولة الاسلامية" فرض عين وضرورة دينية لا يمكن إخضاعها لميزان المصالح والمفاسد


ومن أجل ذلك تسّوغ إرتكاب كل ما يتاح من أعمال نهب وقتل وتدمير ولذا فإنها ترى أن إعلان الخلافة واجب شرعى رغم عدم توفر شروطها الفقهية والسياسية والواقعية كما يرى الاخوان والقاعدة وكما قال الخليفة البغدادى فى خطبة الجمعة بأحد مساجد الموصل ( أيها الناس إن دين الله لا يقام الآّ بتحقيق شرع الله والتحاكم اليه واقامة الحدود ولا يتحقق ذلك الاّ بدولة خلافة ذات بأس وسلطان" وهذا منصوص عليه حرفيا فى كتابات سيد قطب ( إن القول بأن العبادة والدعوة إنما هى وسيلة لإقامة الدولة فإنه لا معنى للصلاة والزكاة والحج بل لا وجود للإسلام ولا معنى له إن لم يتغلب أهله على السلطة) " فى ظلال القرآن 1057/2" وهذا هو المنهل الأصيل لأفكار داعش.


لا يوجد فرق كبير إذن بين المعتدلين والمتطرفين فى مجال الإسلام السياسى ولكن من يسموا بالمعتدلين لم يوفروا وسيلة لتبرير الإرهاب التكفيرى بكافة السبل فالأهداف المشتركة التى تجب الوسائل المختلفة فالمنابع مشتركة والغايات واحدة ويعمق هذا الإنتماء فشل تطبيق الحكم الاسلامى فى مصر وتونس عن طريق آليات الديموقراطية وصناديق الإنتخاب لذا لا مجال الاّ العنف والارهاب طريقا وإن تعددت الوسائل.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.