صب أ. يرمانسكي، وهو من دعاة تصفية الحزب، زخماً مذهلاً من الكلمات الغاضبة في جريدة ناشا زاريا على نقدي لوجهة نظره (ووجهة نظر جوشكا) بصدد مسألة الدور السياسي للبورجوازية الكبيرة التجارية والصناعية (بروسفيشينيه العددين 5 – 7).[1]
    والسيد يرمانسكي، بتوبيخه لنا وبذكرياته عن “الإهانات” القديمة (بما فيها “إهانة” السيد دان وشركاه، الذين حاولوا سدى، أن يشقوا منظمة سان بطرسبورج الاشتراكية الديموقراطية في عام 1907)، يحاول أن يخفى الآن الجوهر الحقيقي لهذا الموضوع.

    ونحن لن نسمح على أية حال للسيد يرمانسكي أن يطمس جوهر الجدال الحالي باستعادة إهانات وهزائم لا تستحق عاناها التصفويون. لأن الجدال الحالي يختص بمسألة هامة من مسائل المبدأ التي تعاود الظهور مرة بعد أخرى لآلاف الأسباب المختلفة.
    وحتى نكون دقيقين، فإنها مسألة التزييف الليبرالي للماركسية، استبدال مفهوم ماركسي ثوري للصراع الطبقي بمفهوم ليبرالي. ونحن لن نتعب أبداً من شرح هذا الأساس الأيديولوجي لكل الجدالات بين الماركسيين والتصفويين.

    يكتب السيد يرمانسكي:

    “يرفض “الماركسي” إلين أن يعترف، بأنه في نشاط المنظمات الصناعية، فإن الصراع الطبقي “على النطاق القومي (وجزئياً حتى على النطاق الدولي)” هو كما وصفته (أنا يرمانسكي) في مقالي. لماذا؟ لأنه “يغيب” هنا “الملمح الأساسي للنطاق القومي أو نطاق الدولة؛ أي تنظيم سلطة الدولة”“… ( ناشا زاريا ، ص 55).

    هنا عرض لجوهر المسألة يقدمه السيد يرمانسكي نفسه، الذي يفعل كل ما هو ممكن وغير ممكن لتجنب جوهر المسألة! بغض النظر عن كيف يتهمني بتشويه وجهة نظره وبكل الخطايا المميتة، وبغض النظر عن كيف يراوغ ويتملص، وصولاً إلى محاولة إيجاد ملاذ في ذكريات انشقاق 1907، فإن الحقيقة سوف تتكشف.

    أطروحتي، من ثم، واضحة؛ الملمح الأساسي للنطاق القومي هو تنظيم سلطة الدولة.
    أنت لا تشاطرني وجهة النظر هذه يا خصمي الغاضب؟ أنت لا تظن أن هذه هي وجهة النظر الماركسية الوحيدة؟

    إذن لم لا تقول هذا باستقامة؟ ولم لا تضع في المقابل وجهة نظر صائبة مقابل أخرى خاطئة؟ إذا كانت وجهة النظر القائلة بأن الملمح الأساسي للنطاق القومي يتجلى في تنظيم سلطة الدولة هي في رأيك ماركسية بين معقوفتين فقط، فلم لا تدحض خطأي إذن وتعرض فهمك للماركسية بوضوح، وبدقة وبدون مراوغة؟

    سوف تكون الإجابة واضحة للقارئ إذا ما اقتطفنا المقطع التالي من السيد أ. يرمانسكي الذي يعقب مباشرة المقطع الذي اقتبسناه آنفاً:

    “يريد إلين أن تقوم البورجوازية الروسية بصراعها الطبقي بطريقة مختلفة، يريدها أن تحاول أن تحدث تغييراً في كامل جهاز الدولة. يريد إلين، ولكن البورجوازية لا تريد؛ والمخطئ طبعاً هو يرمانسكي “التصفوي”، الذي “يحل المفهوم الليبرالي للصراع الطبقي محل المفهوم الماركسي له”.

    هنا لديك خطبة السيد يرمانسكي التقريعية كاملة، وهى سوف تمكنك من أن تحصل على صورة للمصفي المراوغ وقد ضبط متلبساً.

    المراوغة واضحة .

    هل أشرت أم لم أشر بصواب لـ”الملمح الأساسي” للنطاق القومي؟

    لقد اضطر السيد يرمانسكي نفسه لأن يعترف بأنني أشرت تحديداً لجوهر الأمر .

    والسيد يرمانسكي يتهرب من الإجابة مدركاً انه قد وقع في الفخ !

    بعد أن قبض عليه متلبساً، يتهرب السيد يرمانسكي من مسألة صواب أو خطأ الملمح الأساسي الذي أشرت إليه ويقفز فوق هذا المسألة إلى مسألة ماذا “يريد” إلين والبورجوازية. ولكن بغض النظر عن كيف يقفز السيد يرمانسكي بجرأة وشجاعة، فذلك لا يحجب حقيقة أنه قد ضبط متلبساً .

    ما علاقة “يريد” بهذا، يا خصمي العزيز، حينما يتعلق الجدال بمفهوم الصراع الطبقي؟! كان عليك أن تعترف بأنني اتهمتك بأنك تحل المفهوم الليبرالي محل الماركسي، وقد أشرت لـ”الملمح الأساسي” للمفهوم الماركسي بوصفه يتضمن تنظيم سلطة الدولة في فكرة صراع طبقي على النطاق القومي.

    إن السيد يرمانسكي مجادل أخرق حتى وإن كان مجادلاً غاضباً، وقد قدم تفسيراً واضحاً، بمثاله الخاص، للعلاقة بين النزعة التصفوية بصفة عامة وموقفه، أي أخطاء يرمانسكي بصفة خاصة والمفهوم الليبرالي للصراع الطبقي!
    إن مسألة الصراع الطبقي واحدة من المسائل الأساسية في الماركسية، ومن ثم حريٌ بنا تناول مفهوم الصراع الطبقي بتفصيل أكبر.

    كل صراع طبقي هو صراع سياسي.[2] نحن نعرف أن الانتهازيين، عبيد الأفكار الليبرالية، قد فهموا كلمات ماركس العميقة هذه بشكل خاطئ، وحاولوا أن يضعوا لها تفسيراً مشوهاً. وكان من ضمن الانتهازيين، على سبيل المثال، الاقتصادويين، الإخوة الأكبر للتصفويين. اعتقد الاقتصادويون أن كل نزاع بين طبقتين كان نضالاً سياسياً. وقد اعتبروا الصراع من أجل زيادة الأجر خمسة كوبيكات على الروبل “صراعاً طبقياً“، ورفضوا أن يعترفوا بصراع طبقي أعلى وأكثر تطوراً، على المستوى القومي أي الصراع من أجل أهداف سياسية. اعترف الاقتصادويون، من ثم، بالصراع الطبقي الجنيني ولكن لم يعترفوا به في شكله الأكثر تطوراً. لقد اعترف الاقتصادويون، بمعنى آخر، فقط بذلك القسم من الصراع الطبقي الذي كان مقبولاً أكثر لدى البورجوازية الليبرالية، ورفضوا أن يمضوا أبعد من الليبراليين، كما رفضوا الاعتراف بالشكل الأعلى للصراع الطبقي الغير مقبول لدى الليبراليين. بإتباع هذا النهج، أصبح الاقتصادويون سياسيي عمال ليبراليين. وبعمل ذلك، رفض الاقتصادويون المفهوم الماركسي الثوري للصراع الطبقي.

    ولنواصل. لا يكفي أن يصبح الصراع الطبقي واقعياً ومتواصلاً ومتطوراً فقط حين يحتضن المجال السياسي. ففي السياسة أيضاً، من الممكن أن نقصر أنفسنا على الأمور الصغرى، ومن الممكن أن نذهب أعمق، إلى أس الأسس. تعترف الماركسية بالصراع الطبقي بوصفه متطوراً على “النطاق القومي” فقط إن لم يحتضن السياسة فحسب وإنما أن يشتمل على أكثر الأشياء أهمية في السياسة؛ وهو تنظيم سلطة الدولة.

    من ناحية أخرى، فإن الليبراليين، بعد أن نمت حركة الطبقة العاملة لتصبح أقوى قليلاً، لم يجرؤوا على إنكار الصراع الطبقي وإنما حاولوا أن يضيقوا ويقلصوا ويخصوا مفهوم الصراع الطبقي. والليبراليون على استعداد للاعتراف بالصراع الطبقي في المجال السياسي أيضاً، ولكن بشرط واحد؛ وهو ألا يدخل تنظيم سلطة الدولة في ذلك المجال. ليس من الصعب أن نفهم أي من المصالح الطبقية للبورجوازية هي التي تؤدي للتشويه الليبرالي لمفهوم الصراع الطبقي.

    الآن، عندما أفرغ السيد يرمانسكي عمل الموظف الحكومي المعتدل والدقيق جوشكا في قالب جديد، حينما أعلن التضامن معه، بدون أن يلاحظ (وربما لم يرغب في أن يلاحظ؟) الإخصاء الليبرالي لمفهوم الصراع الطبقي، بينت للسيد يرمانسكي خطيئته الأساسية ضد النظرية والمبادئ العامة. غضب السيد يرمانسكي وبدأ في استخدام لغة رديئة وشرع في اللف والدوران لأنه لم يكن قادراً على دحض ما قلت .

    بإتباعه هذه الطريقة، أثبت السيد يرمانسكي أنه مجادل أخرق وهو ما أظهره بنفسه بوضوح تام! فهو يكتب “يريد إلين ولكن البورجوازية لا تريد“. نحن نعرف الآن ماهية الملامح الخاصة لوجهة نظر البروليتاريا (الماركسية) والبورجوازية (الليبرالية) التي تؤدي لتلك “الإرادات” المختلفة.

    “تريد” البورجوازية أن تقلص الصراع الطبقي، أن تشوه وتضيق المفهوم وتفل نصله الحاد. و”تريد” البروليتاريا أن تكشف هذا الخداع. الماركسية تريد ممن يضع على عاتقه أن يتحدث عن صراع البورجوازية الطبقي باسم الماركسية أن يعرض الضيق، الضيق الأناني، بالفعل، للمفهوم البورجوازي عن الصراع الطبقي، وليس باقتباس الأرقام فحسب، وليس فقط بالانتشاء بالذهاب للأرقام “الكبيرة“. يريد الليبرالي أن يمتدح البورجوازية وصراعها الطبقي بطريقة تخفي ضيقها، تخفي إخفاقها في أن تشمل الصراع حول ما هو “أساسي” وأشد أهمية .

    لقد قبض على السيد يرمانسكي وهو يناقش بطريقة ليبرالية الأرقام المثيرة للاهتمام لكن الفارغة أو الخانعة أيديولوجياً التي جمعها السيد جوشكا. من الواضح، أنه حينما كُشف هذا، لم يكن هناك شيء قد بقى للسيد أ. يرمانسكي إلا أن يلعن ويتملص .

    دعونا نواصل المقطع المأخوذ من مقالة السيد أ. يرمانسكي من حيث تركناها:

    “من الواضح، حقاً، أن إلين هو الشخص الوحيد الذي يستبدل دراسة واقع الأمور بتوصيفاته الخاصة، وأيضاً(!!) بصورة نمطية مؤسسة على نماذج تلامذة المدارس المأخوذة من تاريخ الثورة الفرنسية العظمى”.

    لقد تورط السيد يرمانسكي في شبكة جعلته أكثر قسوة في “تدمير” نفسه! وهو لا يلاحظ المدى الذي تكشفت فيه ليبراليته بانفجاره الغاضب ضد “الصور النمطية” للثورة الفرنسية العظمى!
    عزيزي السيد يرمانسكي، لابد أن تفهم (مهما كان الأمر صعبا لتصفوي) أنه من المستحيل “دراسة واقع الأمور” دون توصيفها، دون تقويمها من وجهة نظر ماركسية، أو ليبرالية، أو رجعية … الخ!

    وأنت يا سيد يرمانسكي، وصفت ومازلت تصف “دراسة” الموظف الحكومي الطيب جوشكا بطريقة ليبرالية وأنا أصفها بطريقة ماركسية. وهذا هو أس المسألة في كل الأحوال. بتركك تحليلك النقدي على عتبة مسألة تنظيم سلطة الدولة، قد برهنت على حدود مفهومك للصراع الطبقي.
    والذي كان ينبغي إظهاره!

    إن انفجارك ضد “الصورة النمطية” للثورة الفرنسية يزيحك للوراء تماماً. يمكن لأي أحد أن يفهم أن الصورة النمطية أو النموذج الفرنسي لا علاقة له بالأمر؛ على سبيل المثال، لم يكن هناك ولم يكن من الممكن أن يكون هناك إضرابات، خاصة إضرابات سياسية، في هذا الوقت في ظل أوضاع “نمطية ونموذجية“.

    وحقيقة الأمر أنك عندما أصبحت تصفوياً فقد نسيت كيف تطبق وجهة النظر الثورية على تقويم الأحداث الاجتماعية. هذا هو سبب المشكلة. من المؤكد أن ماركس لم يقصر تفكيره على “الصور النمطية والنماذج” المأخوذة من نهاية القرن الثامن عشر، غير أن وجهة النظر التي تبناها كانت دائماً ثورية، لقد قوم دائماً (“وصف” إذا كنت تفضل هذه الكلمة “المتعالمة“، عزيزي السيد يرمانسكي!) الصراع الطبقي بأشد الأشكال عمقاً، كاشفاً على الدوام ما إذا كان قد أثر على “الأساسيات” وانتقد دائماً بلا رحمة أي ميوعة في الفكر، أي تمويه للصراع الطبقي غير المتطور، المخصي، المشوه بأنانية .

    لقد بين لنا الصراع الطبقي في نهاية القرن الثامن عشر كيف يمكن أن يكون سياسياً. كيف يمكن أن يتطور بالفعل إلى أشكال تتجلى على “النطاق القومي“. ومنذ ذلك الوقت تطورت الرأسمالية والبروليتاريا لمدى عملاق. إن “نماذج” القديم لا تمنع، على سبيل المثال، الأشكال الجديدة للصراع التي أشرت لها جزئياً عاليه .

    إن وجهة نظر الماركسي، على أية حال، سوف تتطلب دائماً “تقويماً” عميقاً وليس زائفاً، وسوف تكشف دائماً فقر التشويهات، والتصريحات القاصرة، والتمويهات الجبانة الليبرالية .

    دعونا نهنئ السيد يرمانسكي على تفسيره المخلص والفخم للطريقة التي يستبدل بها التصفويون المفهوم الماركسي للصراع الطبقي بالمفهوم الليبرالي، ناسين كيف يتناولون الأحداث الاجتماعية من وجهة النظر الثورية.

    -

    [1] مقال لينين “استطلاع حول منظمات رأس المال الكبير“، صدر ما بين أبريل ويونيو 1912 في جريدة بروسفيشينيه الشهرية، التي كان يصدرها البلاشفة في سان بطرسبرج، موقعاً باسم ف. إلين، الأعمال الكاملة المجلد 18 ص 56 -72. (المترجم)

    -

    [2] انظر كارل ماركس وفريدريك إنجلز، “بيان الحزب الشيوعي” الأعمال المختارة، المجلد الأول، موسكو، 1955، ص 42.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.