عرضت آثار حضارة سبأ في محافظة مأرب، و الممتد عمرها إلى أكثر من 3 ألف عام، لعمليات نهب واسعة و دمار ممنهج، جراء استهداف طائرات “التحالف” لعدد من المواقع و المدن الأثرية و التاريخية في المحافظة، و قيام عناصر تابعين لقوات الرئيس عبد ربه منصور هادي بنهب الآثار في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، و تسويقها للدول الخليجية. و لعل أبرز المعالم الأثرية التي تعرضت للتدمير بسبب الغارات الجوية في المحافظة، مدينة براقش التاريخية في مديرية مجزر، و عرش بلقيس، و سد مأرب القديم.

30 غارة

و أفاد مدير الهيئة العامة للآثار في مأرب، مبخوت مهتم، في حديث إلى “العربي”، بـ”تعرض المعالم الأثرية في المحافظة لأكثر من 30 غارة جوية، توزعت بنحو 12 غارة على مدينة براقش الأثرية والتي تعتبر العاصمة التجارية لحضارة معين، وخلفت الغارات أضراراً كبيرة بسور براقش التاريخي والمقبرة الحميرية التابعة للمدينة وكذلك معبد براقش”، مضيفاً أن “طيران التحالف شن قرابة 16 غارة على مصارف سد مأرب القديم، أسفرت عن دمار كبير في ملاحق ومصارف السد الأثرية، والتي تعود إلى أكثر من 2500 عام قبل الميلاد”، متابعاً أن “طيران التحالف دمر أيضاً بشكل كلي قلعة حريب الأثرية، حيث شن سلسلة من الغارات عليها، بالإضافة إلى سلسلة من الغارات على عرش بلقيس ومعبد أوعال في مديرية صرواح”. وأشار إلى أن “الطيران دمر كذلك بشكل كلي قلعة حريب الأثرية، حيث تعرضت لأكثر من تسع غارات جوية، حوّلت المعالم الأثرية الى ركام من الطين والحجر”.

وتظهر صور حصل عليها “العربي” آثار الدمار الذي تعرضت له المواقع الأثرية في المحافظة، نتيجة الغارات السعودية.

و كانت منظمة “اليونسكو” أصدرت بياناً دانت فيه الغارات السعودية على المعالم الأثرية في المحافظة، داعيةً إلى حماية الآثار والمدن التاريخية. وقالت المديرة العامة للمنظمة، إيرينا بوكوفا، في بيان بتاريخ 4/6/2015، “إنني أشعر بقلق بالغ إزاء الأنباء المؤلمة عن اليمن وعن الضرر والدمار اللذين لحقا بتراثه الثقافي الفريد، وقد لحقت أضرار بسد مأرب، وهو أحد أهم مواقع التراث الثقافي في اليمن وشبه الجزيرة العربية، وشهادة على التاريخ والقيم المشتركة للبشرية”.

نهب

و إلى جانب الدمار، تعرضت المواقع الأثرية الخاضعة لسيطرة القوات الموالية لهادي لعمليات نهب واسعة؛ حيث تفيد مصادر خاصة بقيام قيادات من المسلحين، وعبر سماسرة محليين، ببيع العشرات من القطع الأثرية لقيادات عسكرية ومدنية سعودية وإماراتية.

و كشفت المصادر عن قيام المحافظ المعين من هادي، سلطان العرادة، بإهداء بعض القطع الأثرية الهامة، والتي توثق لمراحل تاريخية من حضارة سبأ، لقيادات قوات “التحالف” في مأرب. وتحدثت المصادر عن ازدهار تجارة بيع الآثار بشكل ملفت في مأرب، خصوصاً حيث يقع سد مأرب القديم ومعبد عرش بلقيس وعدد من المعابد الأثرية الهامة في مدينة مأرب القديمة، وأبرزها معبد ذو مسمسم ومعبد مسملم.

نبش وحفريات

صالح أحمد، حارس سابق في أحد المواقع الأثرية في مدينة مأرب، روى، لـ”العربي”، قيام عصابات مسلحة بالحفر ليلاً في معبد أوام وأماكن أثرية بالفاو والسد، بشكل شبه يومي، ومغادرتها المكان قبل طلوع الفجر، دون معرفة ما الذي يتم التنقيب في ظل غياب السلطات المختصة. وأكّد أحمد اتساع الحفر وانتشاره في المواقع الأثرية بحثاً عن الذهب والقطع الأثرية. وفي السياق، تحدث سكان محليون عن العثور على حفريات كبيرة في مواقع أثرية في منطقة الأبيرق، شرقي مدينة مأرب، حيث يقع أكبر معسكر للقوات الإماراتية والسعودية، وتم منع فريق متخصص شكلته الهيئة العامة للآثار للتحقيق في الحفريات، بذريعة أن الموقع يقع بالقرب من منطقة عسكرية محظورة.

متاجرة بالنقوش

ويرى مراقبون أن بروز ظاهرة بيع الآثار وعمليات النهب والنبش التي تتعرض لها العديد من المواقع الأثرية في المحافظة، يأتي نتيجة سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة سعودياً على مناطق أثرية هامة في المحافظة، وسعي قيادات تلك الفصائل إلى كسب ثروات طائلة بالمتاجرة بالنقوش والقطع الأثرية والتماثيل وبيعها لمنظمات خارجية، وبأسعار باهظة، في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي. ويشير المراقبون إلى أن المعتقدات الوهابية تعتبر الآثار من الشركيات والإلحاد وتسعى للقضاء عليها، الأمر الذي يفسر السعي في تدمير آثار اليمن ونهبها، لطمس حضارة شعب وثقافة تاريخية تمتد لآلاف السنين.

و تمتد مأرب، عاصمة مملكة سبأ، على مساحة تبلغ 98 هكتاراً، وكانت أكبر مدينة قديمة في جنوب الجزيرة العربية.

و رغم الظروف المناخية الصعبة في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، ظهر مجتمع متعدد في مأرب اعتمد اقتصاده إلى حد كبير على نظام الري.

و نظراً لازدهار اقتصادها وموقعها الجغرافي، أصبحت مأرب أكبر منطقة تجارية على طريق البخور، و انطلاقاً من العاصمة مأرب سيطر أبناء سبأ على أجزاء واسعة من البلاد، و كذلك على طريق تجارة البخور، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط و بلاد ما بين النهرين.

و تضم مأرب اليوم العديد من المواقع الأثرية و الثقافية الهامة، مثل معبد بران و معبد و مقبرة أوام و وادي غفينة و سد المبنى و سد مأرب، و تعتبر إحدى عجائب الهندسة التقنية، وكذلك مدينة براقش التاريخية و حصنها الأثري.

و تندرج هذه المعالم الثقافية الرئيسة، مثل موقع مأرب الأثري، في قائمة مشاريع اليمن للتراث العالمي.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.